كما هو معلوم فإن الطلب على السلع ذات الأسعار المرتفعة كالعقارات والسيارات يتضاءل خلال فترة الأزمات الإقتصادية، في حين نلاحظ من جهة أخرى تزايد الطلب على المنتوجات ذات جودة أقل تقوم على حساب المنتوجات ذات الجودة العالية والمرتفعة.
ولكن، هل سبق أن شاهدتم اكتظاظ المطاعم الفخمة والمقاهي الراقية أثناء فترة الأزمات الإقتصادية؟ هل لاحظتم تزايد الطلب وكثرة انتشار والإقبال على أجهزة الهواتف النقالة ذات إنتاج حديث خلال أقسى الظروف الاقتصادية التي تمر بها؟ هل انتابكم الاستغراب من حيث حجم الإنفاق على المواد التجميلية والعطورات من قبل أشخاص يجدر بهم أن يكونوا من أكثر المتأثرين والمتضررين بالمشاكل المالية؟
كل هذه الظواهر يمكن توضيحها وتفسيرها بما يعرف بـ “تأثير قلم الحمرة”.
تأثير قلم الحمرة
حينما نقول “الأزمات الاقتصادية” فالمقصود بها أننا نصبح في وضع يصعب علينا شراء السيارة أو منزل الأحلام، وأن العطلة الصيفية التي تم تقريرها في أحد المنتجعات سيتم إلغاؤها، وأن أزياء المصممين العالميين التي نراها وتدهشنا من فرط جمالها ستبقى معروضة على واجهات المحلات، وأن مبيعات أحمر الشفاه سترتفع!
“تأثير قلم الحمرة” هو مصطلح خلقه ليونارد لودر”Leonard Lauder” رئيس مجلس إدارة شركة إستي لودر ”Esté Lauder” في 2001 حينما رأى أن مبيعات أحمر الشفاه تزايدت بنسبة 11% خلال الأزمة الاقتصادية في عام 2001، حيث أنه أبان عن وجود علاقة تناسب عكسية ما بين مبيعات قلم الحمرة والوضع الإقتصادي!
قلم الحمرة وارتباطه بالأزمات الاقتصادية
سواء بسبب دوافع نفسية واقتصادية أخرى كامنة أو بسبب وجود علاقة التناسب العكسية المقترحة، فقد شهدت مبيعات أحمر الشفاه أداءً ممتازا خلال الأزمات الاقتصادية وأداءً سيئاً حينما كان الاقتصاد قوياً خلال الـ10 سنوات الماضية، باستثناء الأزمة الاقتصاديّة الأخيرة!
وقد عانت نظرية “قلم الحمرة” نكسة خلال العامين 2008 و2009، وتضاءلت المبيعات في كل من أمريكا وأغلب البلدان الأوروبية. إلا أنه في حال اتخذنا من “قلم الحمرة” مثالاً على سبيل المجاز وغير محصور بأحمر الشفاه على وجه التحديد، فيمكن القول بأن “تأثير قلم الحمرة” قد ترسخ بشكل قوي خلال الأعوام الماضية.
بالإضافة إلى ما سبق، نجد أنه في حالة التعرض لظروف اقتصادية صعبة هذا إن لم تكن قاهرة، فإن المستهلكون يميلون إلى التوفير في الفواتير الضخمة (من قبيل المنازل، العطل المكلفة، السيارات) ولكن إنفاقهم على الأشياء المكلفة التي تتخذ قالبا صغيرا ترتفع تحديدا على تلك الأشياء التي تدعو إلى التفاؤل.
فخلال عام 2000 كان الإقبال على قلم الحمرة، بينما في عام 2008 كان الإقبال على طلاء الأظافر! حيث تحول طلاء الأظافر في 2008/2009 إلى أكثر السلع رغبة وتزايدا في عالم التجميل. حيث اتجهت النساء اللواتي فقدن جزءا هاما من أموالهن بسبب الأزمة إلى شراء هذا النوع من مستحضرات التجميل.
هذه التطورات والتغيرات أدت لا محالة إلى تطوير فكرة تأثير قلم الحمرة لتشمل كل المنتجات الفاخرة ذات الأسعار المعقولة، ونتج عن ذلك وجود عدة تأثيرات ومؤشرات مشابهة لتأثير قلم الحمرة (أي المنتجات التي ارتفعت نسبة مبيعاتها أثناء الأزمات الاقتصادية):
صباغ الشعر في المملكة المتحدة.
الأقمشة في إيطاليا.
الماسكارا في أمريكا.
الشوكولاتة في ألمانيا.
طلاء الأظافر.
والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا؟
من المعلوم اقتصادياً بأن الأزمات الاقتصادية ترتبط ارتباطاً شديدا بارتفاع مبيعات نوعين من المنتجات:
البضائع التي تحقق رفعاً هائلاً في المعنويات (فعلى سبيل المثال نجد أن أفلام شارلي شابلن حققت مبيعات شديدة الارتفاع خلال الأزمة الاقتصادية الكبرى في عشرينات القرن السابق).
البضائع التقليدية ذات النوعية المنخفضة (السمك المعلب كالسردين كبديل عن السمك الطازج).
غير أنه من الناحية الفسية، فإن تأثير قلم الحمرة قد يشكل نوعاً ثالثاً من المنتجات التي لها ارتباطا وثيقاً بغرائز البقاء القديمة لدى أجداد الإنسان.
وهناك بعض الدراسات النفسية أبانت في كون أقلام الحمرة أو مستحضرات التجميل والزينة بشكل عام (المتغيرة والمتبدلة بحسب الأزمنة والأمكنة) تفلح في تحسين مظهر الإنسان، و تقوي فرصته في إيجاد شريك ملائم خلال الأزمات. وعموما فإن أحمر الشفاه يشكل أحد الأمثلة التي قد تنسحب على النظارات الشمسية، المطاعم الفخمة، والأجهزة الالكترونية الصغيرة.
يعد تأثير قلم الحمرة واحدا من الأسباب والدوافع التي أدت إلى جعل قطاعات الترفيه والمنتجات الفخمة متوسطة الأسعار والمطاعم أيضا إلى العمل بشكل جيد رغم تزامنها مع الأزمات الإقتصادية.
حيث يلجأ المستهلكون الذين يعانون من صعوبات مالية إلى خيارات تساعدهم على تناسي ضائقتهم المالية، وقد تؤثر بهم ذاكرتهم الجينية وتدفعهم إلى البحث عن شريك، غير أنهم بكل الأحوال لا يستطيعون أن يذهبوا في عطلة إلى إحدى الجزر الإستوائية، مما يؤدي بهم الحال إلى تناول الغداء في مطعم فخم، أوشراء هاتف جديد، أو… شراء قلم حمرة.
المصدر: الباحثون السوريين
Leave A Comment