يتربع واقع المرأة الفلسطينية في فضاء كثير التعقيد، إذ تقاتل النساء الفلسطينيات على جبهات عدة، ويواجهن أدوات تمييز مركبة. ورغم مشاركتهن الفعالة في النضال الوطني ضد الاستعمار، إلا أن قضاياهن الحقوقية لا تزال تمر في مراحل حرجة.
ليس سهلًا الحديث عن أوضاع واحدة للنساء في فلسطين، اللواتي يعشن في مناطق مختلفة، إما تحت الإدارة المباشرة للاستعمار الإسرائيلي، أو تحت حكم السلطة الفلسطينية، لكن الجامع المشترك الواضح بينهن، هو أنهن يعشن تحت أشكال مختلفة من القمع، سواء على أساس الهوية القومية أو النوع الاجتماعي، إضافة للأبعاد الطبقية والمعيشية.
مشاركة سياسية مبكرة وانتهاكات واسعة
بدأت المرأة الفلسطينية بالمشاركة السياسية مبكرًا، منذ فترة الانتداب البريطاني، حيث أسست الاتحاد النسائي العربي في القدس، الذي كان له دور في النضال ضد الاستيطان الصهيوني أثناء ثورة البراق، ومناهضة الانتداب، وشهدت هذه الثورة استشهاد 9 نساء. واستمر هذا النضال في الفترة التي سبقت النكبة، وهي المرحلة التي شهدت نضالًا نسائيًا واسعًا، وصل إلى المشاركة العسكرية.
بعد النكبة، هُجر قرابة 800 ألف من السكان الفلسطينيين إلى مناطق مختلفة في العالم، فيما خضعت الضفة الغربية إلى الحكم الأردني، وقطاع غزة للحكم المصري، وبقي الفلسطينيون الناجون من التشريد تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، وهو ما بتر بطبيعة الحال مشاريع نهضوية كانت واعدة، خاصة فيما يتعلق بتدعيم مشاركة المرأة في الفضاء العام، ومع ذلك، لم تتوقف مشاركة المرأة في النضال الفلسطيني، وتعزز دورها العسكري ضمن الحركة الوطنية. واستمر هذا النضال رغم ضم الضفة الغربية وقطاع غزة واحتلالهما، وإخضاعهما للإدارة الإسرائيلية. وقد عاصرت المرأة الفلسطينية جميع مراحل النضال الوطني، وما انفكت تساهم مساهمة فعالة فيه في مراحل مثل الانتفاضة الأولى والثانية، وقد اعتقل الآلاف منهن طوال هذه الفترة.
وقد نتج عن ذلك تحديات واسعة تعرضت لها المرأة الفلسطينية، وانتهاكات عدة. ويظهر تقرير بعنوان “تأثير انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي على المرأة الفلسطينية”، أعدته مجموعة من المؤسسات غير الحكومية، مثل طاقم شؤون المرأة ومركز المرأة للإرشاد القانوني، أن المرأة من أكثر الشرائح المتضررة نتيجة سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية، على غرار الجدار وهدم المنازل بالإضافة إلى سياسات التضييق الاقتصادية.
النضال المركب ووجهات النظر الأحادية
يتفق معظم الفلسطينيين حول دور المرأة في النضال الوطني، وهناك إجماع على الانتهاكات التي تتعرض لها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لكن الأوضاع الحقوقية للمرأة الفلسطينية، لا تلاقي بالتأكيد نفس هذا الاتفاق. إن توظيف تاريخ النضال النسوي ضد الاحتلال، كان متنوعًا دائمًا، ومرتبطًا بتصورات متناقضة، ولم تسد في كثير من الأحيان وجهة النظر التي ترى أن هذا النضال يتوافق مع نضالها المدني والاجتماعي لتحقيق المساواة. بل وعلى العكس من ذلك، فقد تم أحيانًا استخدام تاريخ نضال النساء ضد الاحتلال، باعتباره النموذج المتلزم وطنيًا، على النقيض من النضال المدني المنشغل بقضايا ثانوية.
ولنفس هذه الأسباب، فإنه غالبًا ما يتم النظر في الفترة الأخيرة إلى النشاط النسوي بشيء من التشكيك، خاصة بالنسبة للمؤسسات غير الحكومية التي تعتمد في الغالب على تمويل خارجي، وفي هذا السياق، تقول سريدة عبد حسين، مديرة طاقم شؤون المرأة، لـ”ألترا صوت”، إن “الوضع المركب والمعقد الذي تعيشه المرأة الفلسطينية يحتاج إلى حلول مركبة أيضًا، أي إن هناك حاجة لإيجاد برنامج عمل متكامل اجتماعي وسياسي يتم التوافق عليه والالتفاف حوله، من أجل النهوض بأوضاع المرأة، على أن يتم دعم هذا البرنامج من قبل الجهات المختلفة، مثل المناهج، والإعلام، والمنابر العامة ومن بينها الدينية، والمستويات الرسمية وغير الرسمية إلخ، من أجل مواجه وتفكيك هذا الوضع المعقد”.
وحول الدور الذي تسعى المؤسسات النسوية إلى تحقيقه، تبين حسين “أن مسؤولية تحسين أوضاع المرأة الفلسطينية تقع بشكل أساسي على منفذي ومتنفذي السلطات السياسية. وما تستطيع واستطاعت هذه المؤسسات حتى اليوم القيام به، هو إعلاء صوت المرأة، والضغط على صناع القرار، وعلى المشرعين، وتقديم خدمات مباشرة، بالإضافة إلى التأثير على الإعلام ليصبح إعلامًا واعيًا بقضايا حقوق المرأة”.
أما بالنسبة للتمويل، توضح مديرة طاقم شؤون المرأة، أن “قلة التمويل الوطني والمحلي يجبر هذه المؤسسات على التوجه إلى التمويل الأجنبي، الذي يلعب دورين في نفس الوقت. أولًا يسمح لهذه المؤسسات أن تعمل، وثانيًا يؤثر على أولويات وتوجهات هذه المؤسسات خاصة إذا كان القائمون عليها لا يمتلكون موقفًا جريئًا من هذا التمويل”، وبينت أنه “وفي اللحظة التي يتم فيها ضمان تمويل عربي غير مسيس ومحلي غير مشروط، ستترك هذه المؤسسات التمويل الأجنبي”.
انتهاكات قانونية
يتكرر النقاش حول القوانين الفلسطينية، التي تشرع علاقات القوة غير المتوازنة داخل المجتمع ككل، والأسرة بشكل خاص، وتحديدًا قانون الأحوال الشخصية. وتقول المحامية علياء طالب لـ”ألترا صوت”، إن هذه القوانين مصممة لتعزيز الوضع الدوني للمرأة في المؤسسات الاجتماعية جميعها، وتحديدًا الأسرة”.
وتضيف أنه “رغم التركيز على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق النساء الفلسطينيات، إلا أن نفس الذين يستنكرون هذه الانتهاكات، يغلقون أعينهم عن أنواع شبيهة بها تمارس تحت سقف القانون”.
وكأمثلة على هذه الانتهاكات، تضرب طالب مثالًا من الإجراءات القانونية التي تترافق مع عمليات الطلاق والزواج، بالإضافة إلى الميراث، وهي كلها محكومة حسب ما تقول، بأحكام نصية لم تعد موائمة لهذا الزمن، وتتناقض مع نصوص القوانين الأخرى، التي تضمن المساواة لجميع المواطنين دون تفريق على أساس الدين أو الجنس.
وفيما يتعلق بدور المؤسسات غير الحكومية في تغيير القوانين التمييزية، تبين سريدة عبد حسين، أنه منذ اللحظة الأولى لقيام السلطة الفلسطينية، بادرت مؤسسات المجتمع المدني وخاصة النسوية في إطلاق حملة لتعديل القوانين السارية، وتم التركيز على قانون الأحوال الشخصية باعتباره منبعًا أساسيًا للتمييز، ويسمح إصلاحه ببدء إصلاح علاقات القوى غير المتوازنة في الأسرة ومن ثم المجتمع. كما تم التركيز على إصلاح قانون العقوبات باعتباره قانونًا سياديًا في رسم العلاقات المختلفة داخل المجتمع”.
وتتابع: “قادت هذه المؤسسات بل وفتحت حوارًا مجتمعيًا واسعًا حول أهمية إصلاح القوانين، وتمت مهاجمة هذه المؤسسات، وانتقادها، ولغياب الإرادة السياسية الجريئة ذات الرؤية الواضحة لبرنامج اجتماعي فلسطيني، ضاعت جهود هذه المؤسسات. ولكن في نفس الوقت وبفضل هذه الجهود تم تناول إصلاح قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات على صعيد صانع القرار السياسي والتشريعي، وأصبح هناك اهتمام في هذه المسألة، لكن كما قلنا لا يوجد هناك إرادة سياسية في هذه القضايا، وتعتبر القضايا الاجتماعية والحقوقية للمرأة خصوصًا والمجتمع عمومًا ثانوية، ويتم دفعها إلى أسفل قائمة الأولويات”.
Leave A Comment