على الرغم من أن الذكورية هي مجموع السلوكيات والأفكار التي من خلالها يتمكن الرجال من الهيمنة على النساء في المجتمع، إلا أن الغالبية يعتقدون أن الذكورية تقتصر فقط على الرجال، لكن مع الأسف، هناك نسبة كبيرة من النساء في مجتمعاتنا، اللاتي يشعرن أن جنس النساء يتم النظر إليه بدونية شديدة من قبل المجتمع، فيقررن التبرؤ من جنسهن عن طريق تبني القيم الذكورية والانتماء للسلطة الأبوية، ليشعرن أنهن مقبولات لدى الرجال، خاصة وأنهن يؤمن بالنظرة التقليدية، بأن الرجل أقوى وأذكى وأعلى كفاءة من المرأة.
تشعر المرأة من هذا النوع بالأمان في ظل السلطة الأبوية، فهي ترى أن الملابس التي تُفرض عليها تحميها من التحرش، وترى أن الأسلوب الذي يفرض عليها من الالتزام بالحياء والعفة هو الأنوثة بذاتها، وهو الذي يجلب لها الزوج الجيد، وترى أن التحكم بها من قبل إخوتها الذكور وأبيها ما هو إلا لصونها وحمايتها وتكريمها، لأنها ستتحمل كل الأخطاء النابعة من الرجل إذا لم تحتكم لسلطاته، فتقوم بممارسة هذه السلطة على نساء أخريات، ولكن في الحقيقة، إن هذا النوع من النساء يفضل عيش حياة سهلة ليس فيها مسؤوليات، فهي يتم إعالتها مادياً، ويتحمل الرجل نفقات باهظة ليتزوجها، فيخرج الرجل للعمل وتتبقى هي بالمنزل للقيام بالأعمال المنزلية، وتعجب المرأة بالرجل الذي يطلب منها ترك العمل فترى أنه يريد راحتها.
فتشعر النساء الذكوريات بأن المرأة النسوية تشكل تهديداً بالنسبة لهن، وبالنسبة للأمان والقبول الاجتماعي الذي يحظين به، فتجدهن يبررن أي فعل صادر عن الرجل، حتى ولو كان يمثل ضرراً كبيراً لأي امرأة، فيبررن التحرش ويلقين اللوم على ملابس الفتاة أو على توقيت وجودها في الشارع، ويبررن للرجل فعلته لأن الفتاة هي من قامت بإثارة غرائزه، ويتخذن موقفاً معادياً من الفتاة ويدافعن عن الرجل، وكأن الطبيعي هو التحرش والجريمة هي حرية الملبس!
وتجدهن يبررن الختان، والذي يعتبر تعدياً واضحاً على أجساد الفتيات وما يسبب لهن من تشوهات جسدية ونفسية، بأن الختان يحفظ الفتاة من الرغبات الجنسية التي قد تقودها لممارسة الزنا، وكأن الرغبة الجنسية قاصرة فقط على الرجال ولا يجوز للنساء أن يشعرن بها، ويعتبر هذا انحلالاً أخلاقياً.
وتجدهن يبررن زواج القاصرات وتعدد الزوجات، قائلات إنهن تزوجن في سن صغير، وتجد فلانة تقص أن جدتها تزوجت في الثالثة عشر، وعلانة تقص أن أمها أنجبتها في سن السابعة عشر، وأن الرجل حقه الشرعي أن يتزوج امرأة واثنتين وثلاثاً وأربعاً، طالما هو مقتدر مادياً وصحياً.
وتجدهن يبررن العنف الزوجي والأسري بأن الرجل “دمه حامي”، أو الجملة الشهيرة التي تقال من قبل النساء: “عصبي بس حنين”، وتجدهن يبررن الاغتصاب الزوجي، مستنكرات أن هذا واجبهن فكيف يمتنعن عنه! هل تريدون أن تلعننا الملائكة؟ بدون النظر لحالتهن النفسية أو الجسدية وهل تسمح لهن بممارسة الجنس أم لا، فتتعامل المرأة الذكورية مع نفسها على أنها مجرد مفعول به فقط، وتتنكر لرغبتها الجنسية، وترى أنها خاصة فقط بالرجل وهو من يقوم بتحديدها، ولولا أن الدورة الشهرية يتم النظر إليها دينياً على أنه نزول دم فاسد من المرأة، خاصة أنها لا تقرب الصلاة ولا القرآن ولا تصوم، لرضخن لأزواجهن لو طلبوا ممارسة الجنس أثناء الدورة الشهرية.
فتجد بعض النساء يغتبطن عند إنجاب الذكور أكثر من إنجاب الإناث، وتجد بعض الأمهات يفضلن أبناءهن الذكور على الإناث، ويمنحهن صلاحيات ومزايا يسلبنها من بناتهن، ويقمن بتوطيد سلطة الأخ وتحكمه في أخواته الفتيات، ويرين أن هذه رجولة وشهامة ومروءة، ويجعلن الأخت في منزلة الخادمة لإخوتها الذكور، وتربي الأم بناتها على أن يكون طموحهن الأكبر أن يصبحن زوجات وأمهات.
فأجد أيضاً العديد من الأمهات يرددن أمثالاً شعبية بالأساس هي ضد المرأة، مثل “يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات”، وكأن إنجاب الإناث هو هم تحمله الأم حتى مماتها، ومثل “اكسر للبنت ضلع يطلع لها أربعة وعشرين”، وهو من الأمثال الشعبية المحرضة على العنف ضد المرأة، وغيرها من الأمثال الشعبية التي ظلمت المرأة، وللأسف أجدها تتردد على مسامعي من بعض الأمهات.
هذا كلّه مع الإدراك أن كثيراً من النساء الذكوريات هن ضحية للمنظومة الذكورية والأبوية، خاصة أنهن يعلمن جيداً عواقب الخروج عنها، وما سيترتب عليه من عنف واضطهاد لهن، ذلك أن المنظومة الأبوية لا تقتصر على نطاق العائلة فقط، ولكنها منظومة مجتمعية كاملة تفرض على النساء شكلاً ونمطاً معيناً يجب الالتزام به، كما أن النظام الذكوري قائم على سلب المرأة حقها في الاختيار وحقها في كل شيء عموماً، الأمر الذي يسلب المرأة كل حقوقها إلا الحق بقول نعم لكل شيء.
Leave A Comment