أعلن مكتب المجلس النيابي عن انعقاد جلسة تشريعية يوم 21/12/2020 بجدول أعمال يضمّ 70 بنداً. وتأتي الجلسة بعد أيام من الضجيج الحاصل رفضاً لاستدعاء رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب وثلاثة وزراء سابقين (اثنان منهم نائبان حاليّان) للاستماع إليهم كمدّعى عليهم في ملفّ مجزرة المرفأ. كما تأتي بعد أسبوعين من إعلان شركة ألفاريز& مارسال فسخ العقد مع الدولة اللبنانية والمتصل بإجراء تدقيق جنائي في مصرف لبنان، بعد رفض هذا الأخير تزويدها بالعديد من المعلومات الضرورية للتحقيق بذريعة مخالفة هذا العقد لقانونَي النقد والتسليف والسرّية المصرفية. وبالطبع، تجري الجلسة من دون أيّ جديد في مشهد تخبّط لبنان في أزماته غير المسبوقة بخطورتها النقدية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والتي أتت جائحة كورونا وانفجار 4 آب لتزيد من تداعياتها الجسيمة على المجتمع. فيبدو المشرّع ماضياً في تجاهل المخاطر المحدقة، حيث تغيب مرّة جديدة أيّ رؤية واضحة لديه لمعالجة الأزمات.
وفي إطار رصده لأعمال البرلمان، يقدّم هنا المرصد البرلماني – لبنان في “المفكرة القانونية” أبرز تعليقاته حول القوانين المقترحة والمفترض مناقشتها خلال جلساته، مرفقة بنسخة عنها لتمكين الرأي العام من الاطّلاع والتّعليق عليها. ونستعرض هنا اقتراح تعديل قانون معاقبة التعذيب (المحرّر).
أقرّ المجلس النيابي منذ قليل اقتراح قانون لتعديل قانون حماية النساء وأفراد الأسرة من العنف الأسري. وكان 10 نواب تقدموا بتاريخ 26 تشرين الثاني 2018 به بالتعاون مع منظمة كفى الذي تولت إعداده. إلا أن هذا الاقتراح قد شهد تعديلات مهمة ضمن اللجان النيابية، بعضها يرشح عن خطورة قد تؤدي إلى تقليص أهميته كأداة لحماية النساء من العنف الأسري. وسنكتفي هنا بالإشارة إلى أهم الإيجابيات والسلبيات الواردة فيه وهي سلبيات أضافتها اللجان المشتركة.
1- تعريف الأسرة
قدّم الاقتراح تعديلاً هاماً لتعريف الأسرة قوامه إضافة “الطليق” إلى قائمة الأشخاص الذين يشملهم هذا القانون. ويأتي هذا الأمر ليُعالج عدداً من حالات العنف التي مارسها رجال على طليقاتهم، غالباً على خلفية الخلاف على حضانة الأطفال، من دون أن يكون بإمكانهنّ طلب إجراءات حمائية. إلا أن اللجان المشتركة رفضت هذه الإضافة.
كما بقي المفهوم المقترح ملتزماً بالتعريف الرسميّ للأسرة المبنيّة على الروابط القانونية للزواج والبنوّة، من دون أن يعيد النظر في مفهوم الأسرة المكوّنة خارج روابط من هذا النحو، كما هي حال الأسر الناشئة عن المساكنة أو عن إقامة علاقات حميمة مستقرة. ورغم أنّ أحد قضاة الأمور المستعجلة في المتن (أنطوان طعمة) قضى بتوسيع مفهوم العائلة ليشمل عاملة منزلية (أجنبية) على اعتبار أنّها “تترك بلادها لكي تمكث في منزل مخدومها لتقديم الخدمة له لقاء أجر معين، ومبارحتها المنزل المذكور واهتمامها بحاجات أفراد الأسرة ولا سيما الأطفال منهم، ومعايشة تلك الأسرة ليلاً نهاراً”، فإنّ التعديل عاد وتجاهل هذه الفئة. وبمعزل عن الحجج التي قد تبرّر دمج هذه الفئة ضمن تعريف الأسرة أو إبقاءها خارجه، يبقى أنّ النتيجة هي جعل العاملة مستثناة من الحماية العائلية بحجّة أنّها عاملة بعدما كان تم استثناؤها من حماية قانون العمل بحجة أنّها تعمل ضمن عائلة، وتالياً جعلها مستثناة من أي حماية. ومن هذا المنظور، تبقى الدولة مسؤولة عن تقاعسها في اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية هذه الفئة ضد أعمال العنف التي قد تتعرض لها.
2- تعريف العنف: إيجابية نسفها حصره بالروابط الزوجية
هنا نلقى البُعد الأهمّ للإقتراح الأساسي، حيث أنّ أحد أهم جوانب ضعف القانون الحالي يتمثّل في تعريف العنف. وإذ برّرت اللجنة النيابية المصغّرة التي أنجزت صيغته في 2013 تضييق هذا التعريف بالحدّ من الحالات التي يمكن للقاضي المدني التدخّل فيها في شؤون الأسر، من باب الحفاظ على الأسر وعلى صلاحيات المحاكم الشرعية، فإنها انتهت عمليّاً إلى حصره في الحالات التي ترشح عن ارتكاب جرائم جزائية “عنيفة” وفق تقييمها كالقتل والإيذاء والتهديد والزنا والدعارة. وعليه، وعدا عن أنّ القانون استعاد بذلك المنحى التقليدي للتشريع اللبناني والقائم على الفصل بين المجال الجزائي (الذي يعود للدولة والقضاء العادي النظر فيه) ومجال الأحوال الشخصية (الذي يعود للطوائف تنظيمه بما يتصل بالمنتسبين إليها وفق المادة 9 من الدستور)، فإنه استجاب للهواجس التي عبّرت عنها المراجع الدينية من أن يؤدي أيّ تعريف مطّاط للعنف إلى نتائج مشابهة لما وصل إليه قضاة الأحداث انطلاقاً من تعريف “الطفل بحال الخطر”.
وبنتيجة ذلك، بدا تعريف العنف في القانون الحالي منقوصاً بالنسبة إلى التعريف المعتمد دولياً، فضلاً عن أنّه يفتقد الاتّساق بحيث يستثني حالات عنف لا تقلّ خطورة (بل ربما أكثر خطورة) من حالات العنف المشمولة فيه. كما أنّ من أخطر النتائج المتأتّية عن ذلك، استبعاد حالات العنف المبررة بالتقاليد الموروثة، والتي كانت بقيت أيضاً خارج حدود القانون الجزائي، كإرغام الإبنة على الزواج أو منع الزوجة من الخروج من المنزل أو الإهانات والتحقير فضلاً عن الاغتصاب الزوجي… إلخ. كل ذلك في مقابل توصيف بعض الأفعال على أنّها عنف حكمي بمعزل عن تأثيرها على أعضاء الأسرة، ومن أبرزها بعض الأفعال التي شكّلت تقليدياً ذرائع لارتكاب العنف ضد النساء كالزنا.
وإذ سعى الاقتراح الأساسي لتعديل هذا التعريف بشكل جئري ليشمل العنف “أي فعل أو امتناع عن فعل أو التهديد بهما، يرتكب من أحد أفرادها ضد فرد من الأسرة أو أكثر … ويترتب عنه قتل أو إذاء جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي” (وهذا أمر جيد) فإن الاقتراح كما صاغته اللجان المشتركة وأقرته الهيئة العامة للمجلس أضاف إلى هذا التعريف عبارة “يقع أثناء الحياة الزوجية أو بسببها”. وأكثر ما يخشى من هذه الإضافة أن تفتح الباب لحصر تعريف العنف بالعنف الحاصل بين الأزواج وتاليا لاستثناء مجمل حالات العنف الأخرى التي قد ترتكب ضد الأخوة أو الفروع والأصول. أقله، أمكن القول أن إضافة هذه العبارة ستولّد بلبلة كبيرة بكل ما يتصل بالعنف العائلي المرتكب ضد غير الأزواج.
3- مفهوم الآداب العامة يحجب مفهوم الاستغلال
هدف الاقتراح الأساسي إلى تشديد العقوبة على بعض حالات العنف واعتبار كل حالات الحض على الدعارة أو تسهيلها بمثابة اتجار بالبشر وذلك من باب التأكيد على خطورة روابط الاستغلال.
الاقتراح كما خرج من اللجان المشتركة استبعد أي توسيع لحالات الإتجار بالبشر وتاليا لتعريف ضحاياه. بالمقابل، زايد من خلال تعميم تشديد العقوبة على مجمل أفعال العنف ولكن بالأخص الأفعال المخلة بالآداب العامة كالدعارة والحض على الفجور بالنسبة لأي شخص لم يبلغ بعد 21 سنة، وهي الأفعال التي غالبا ما تستخدم تقليديا لممارسة العنف ضد المرأة.
وعليه، وفيما تتجه معظم القوانين إلى إلغاء عقوبة الدعارة على اعتبار أن العاملين فيها هم ضحايا الإتجار بأجسادهم أكثر مما هم مسؤولون، ذهب المجلس النيابي إلى تشديد العقوبة على الدعارة من سنة إلى ثلاث سنوات. ومؤدى هذا الأمر أنه يسمح بتوسيع حالات التوقيف الاحتياطي لكل من يعملون في هذا المجال (التوقيف غير مسموح للجرائم التي تصل عقوبتها إلى سنة واحدة ولا يتعدى 5 أيام بالنسبة للجرائم التي تصل عقوبتها إلى نستين فيما يصل إلى 4 أشهر بالنسبة للجرائم التي تصل عقوبتها إلى 3 سنوات) وأنه يثني تاليا العاملين في الدعارة عن تقديم وشايات ضد الجهات التي تستغل دعارتهم وتتجر بها خوفا من العقوبة والملاحقة.
وبشكل لا يقل كارثية، أدى اقتراح اللجان المشتركة إلى تشديد عقوبة الحض على الفجور لأي شخص لم يبلغ 21 سنة حتى ثلاث سنوات. ومؤدى ذلك أنه يسمح لأيّ شخص بتقديم شكاوى ضد كل من يقيم علاقة حميمة مع أبنائه وبناته الذين هم دون 21 سنة، مع ما يستتبع ذلك من ضرب للحريات الفردية وابتزاز ومظالم.
فضلا عن ذلك، أبقى الاقتراح في الصيغة التي أقره مجلس النواب بها على معاقبة الزنا مع إبقائه ضمن الأفعال المشمولة بقانون الحماية من العنف، وذلك خلافا لما جاء في الاقتراح الأساسي. الإضافة الوحيدة التي أدخلها هي استعادة لفقرة كانت ألغيت في 2014 وتقيد قول أدلة الثبوت على الشريك خارج حالات الجنحة المشهودة بوجود رسائل أو وثائق خطية كتبها بنفسه. كما ضاعف الاقتراح العقوبة على الزوج المرتكب إذا وقع فعل الزنا داخل البيت الزوجي.
4- من يستفيد من تدابير الحماية؟
يسجّل إيجاباً في هذا المضمار أنّ الاقتراح انتهى إلى شمل الأطفال القاصرين حتى 13 سنة حكما بتدابير الحماية، بعدما كان القانون الحالي يمنح الحماية فقط للأطفال الذين هم في سن الحضانة القانونية وفق قانون أحكام قوانين الأحوال الشخصية وسائر القوانين المعمول بها. وكان الاقتراح الأساسي قد هدف لشمل جميع الأطفال (أي من هم دون 18 سنة في أوامر الحماية). وهذا الأمر إيجابي وهو يؤشر إلى اعتماد معيار السن المعتمد لدى الطائفة السنية في 2011.
5- التعميم في تخصيص الهيئات القضائية
بما يتّصل بالإطار المؤسساتي لتطبيق القانون، توجّه التعديل المقترح إلى تعميم التخصّص القضائي، بحيث يشمل قضاء التحقيق والحكم بعدما كان يقتصر سابقاً على النيابات العامة. وفيما يشكّل التخصّص نظرياً عامل تطوير لأداء القضاة، يُخشى أن يؤدي التوسّع في اعتماده في هذا المجال أو ذاك (حماية النساء أو البيئة أو مكافحة الفساد إلخ..) في دول صغيرة كلبنان إلى تضييق مجال القضاء العادي والطبيعي (الشامل)، بما يستتبعه من إضعاف لضمانات المحاكمة العادلة. وقد يكون من الأنسب في هذا المضمار أن يلتحق القضاة في سياق تدرّجهم أو في سياق دورات تأهيلهم المستمر بدورات تدريبية أو توعوية في هذا المجال، من أن نعتمد التخصيص الشامل فيه.
6- رفض إخضاع مرتكب العنف لدورات تأهيل
فضلا عن ذلك، يذكر أن اللجان المشتركة رفضت تضمين إخضاع مرتكب العنف لدورات تأهيل في مراكز متخصصة. وهي بذلك غلبت المقاربة العقابية على آليات التوجيه والتأهيل.
7- الصندوق الفارغ لمساعدة ضحايا العنف يملأ بالغرامات المحكوم بها؟
فيما بقي صندوق مساعدة ضحايا العنف الأسري فارغا طوال السنوات الست الأخيرة، فإن الاقتراح الذي تم إقراره اقتصر على إضافة مورد جديد قوامه الأموال الناتجة عن الغرامات المحكوم بها بموجب هذا القانون. يشار إلى أن العديد من الصناديق المنشأة في السنوات الأخيرة أبرزها صندوق ضحايا الاتجار بالبشر وصندوق مساعدة المستأجرين القدامى ما تزال فارغة. كما يشار إلى أن المجلس النيابي أقر في نفس هذا اليوم اقتراح قانون آخر ينشئ صندوقا آخر هو صندوق مساعدة ضحايا التحرش.
خلاصة:
في الخلاصة، أمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
- تماماً كما حصل عند مناقشة قانون 2014، شكّل تعريف العنف الأسري المسألة المحورية في هذا الاقتراح الذي هدف إلى تحريره من قاعدة أنّ لا عنف من دون نصّ في اتجاه توسيع مداه ليشمل جميع حالات العنف وأنواعه، في انسجام مع المعايير الدولية في هذا المجال. إلا أن اللجان المشتركة نجحت في إدخال عامل بلبلة إلى التعريف الجديد من خلال ربطه بالروابط الزوجية.
- أنه شكل ما يشبه ردة أخلاقية في بعض مواضعه وخاصة من خلال التأكيد على معاقبة الزنا وتشديد العقوبة على ممارسة الدعارة والحض على الفجور لتصل إلى ثلاث سنوات وعلى نحو يسمح بإطالة أمد التوقيف الاحتياطي، فضلا عن الاستمرار في اعتبار هذه الأفعال مشمولة بقانون حماية أعضاء الأسرة من العنف.
- أنّه أبدى حماسة مبالغاً فيها للجانب العقابي من القانون الذي بلغ أوجه مع تشديد العقوبة في عدد من الجرائم. ويُخشى أن يدفع هذا التوجّه القضاة إلى تضييق حالات العنف تجنّباً لمفاعيلها الجزائية وعمليّاً إلى نتيجة معاكسة لما يريده واضعوه، أي حرمان النساء من الإجراءات الحمائية. فضلاً عن ذلك، يُخشى أن يؤدي هذا التوجّه إلى تغليب أبعاد القانون العقابية مع ما يستتبعها من توسيع الشرخ داخل العوائل، في مواجهة حجب أو إضعاف مجمل الآليات التوجيهية والترميمية، بما فيها ما رفضت الغالبية النيابية الأخذ به لجهة امكانية إخضاع الزوج لدورات تأهيل.
- أنه تجاهل العديد من العوائق الواقعية أمام ضمان حماية النساء. وعليه، وفيما أخذ بعين الاعتبار العنف الاقتصادي (مثل حرمان النساء من النفقة أو التقييد على حقوقهن المالية)، فإنه في المقابل لم يعالج الإشكالات المتأتّية عن التفاوت الاقتصادي بين الزوجين عند إقرار تدابير الحماية.
- أنه أبدى اندفاعاً لتعميم التخصّص في مجال العنف الأسري على جميع المراجع القضائية، من قضاء تحقيق وقضاء حكم بما قد يؤثر سلباً على ضمانات المحاكمة العادلة وحسن التنظيم القضائي.
هذه هي أبرز الملاحظات على الاقتراح التعديلي لقانون العنف الأسري.
Leave A Comment