كتبت زينة قنواتي في رصيف22:
لا يبجّل هذا النص الأمومة، بل يعيدها إلى سياق الواقع والحقيقة.
تحت أشعة الشمس الخفية، التي تتسلل إلى سمائي الأوروبية المرسومة في لوحات مونيه، تدغدغ خدّيّ نسمات لطيفة. أستلقي بجسدي على العشب كي تحملني الأرض، كما حملت فوقها، وفي جوفها، ما مرّ، وما سيأتي، كله. أغمض عينيّ بارتياح، وأنا أعلم أن طِفلَيّ يلعبان على مقربة مني، في لحظة نادرة من الهدوء الذي لا يتخلله صخب، أو بكاء، أو طلبات ملحة، أو أي رغبة، أو مصيبة قادمة.
عندما أفكر في أمومتي، لا أعلم ما الذي أحبه أكثر: لحظات السكينة القليلة التي تمنحني إياها الأرض، التي تتيح لطفلين صغيرين أن يعبثا بهوائها، ومخلوقاتها، وكائناتها الرهيفة، أم تلك اللحظات التي أضطر فيها إلى حمل ثقل همومهما، وهمومي، على ظهر مثقل بالحرب، والفقدان، والشوق أيضاً إلى أمي؟ أمي التي تحرمني منها اليوم، أوراق، وشروط، وحدود، وقوانين لا تسمح للأبناء والبنات بلقاء أمهاتهم/ ن.
في نظرة سريعة إلى العالم الأزرق في فيسبوك، أقرأ ما يلي في مجموعة للنساء السوريات القاطنات في ألمانيا: “أمي ماتت في الشام، ادعوا لها، صرلي سبع سنين ما شفتها”.
يعتصر قلبي هذا الظلم، والعمق، لما تعنيه مشاركة الألم مع مجموعة من الغريبات. هل نقتسم خوفنا، وألمنا، وشوقنا أيضاً، فيخف الحنين، ويتضاءل الألم المتجذر فينا، عندما نشاركه مع غريبات، نعلم أنهن حتماً يدركن حجم المأساة في غربة مشتركة؟
تعيدني أمومتي إلى شتى الحاجات التي أردتها من أمي، ولم أحصل عليها، وإلى تلك التي أرادتها أمي، ولم تحصل عليها، وإلى رغبتي في الانعتاق عن السكة المرسومة للأمهات جميعهن، في كل مكان، وإلى الطريق التي لا تُعاقَب فيها النساء على ما يمكن لأجسادهن أن تصنعه. وأيضاً إلى رغبات ابني وابنتي كلها، التي لم ولن أتمكن من تحقيقها.
ماذا تصنع الأمهات في بيوتهن بعيداً عن أبيات الشعر؟
فرش الأدب الجنان، تحت أقدام الأمهات، شعراً ونثراً وتقديساً، يقترب من كونه تمهيداً لصور آلهة محتملة، تهدد بمهاراتها الإعجازية، توازن العالم.
فيمكن لمن تُخلق الحياة من جوفها، أن تخلق الطاقة، والقوة، والجبروت، في مكان ما. وأن تخلق الحياة، والنبض الأول، وأن تملك هبة الولادات الجديدة، وأن تكون، في ما تكون، الأقوى هُنا.
تكرّس المجتمعات فكرة تقديس الأمومة، وترفعها عن الآثام، بطريقة تجرد النساء من إنسانيتهن، ومن حقهن في ارتكاب العثرات، أو التصرفات البشرية، أو حتى الشغب. فلهن في الأدب، واللغة، وفي المجتمع، توصيفات ملائمة لما هو متوقع من وظيفتهن، التي تفقدهن جزءاً من عفويتهن، وشغبهن.
Leave A Comment