هل هناك خطة من قبل الحكومة اللبنانية خاصة بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في فترة الكوارث؟ طبعًا لا. في لبنان دائمًا تتعامل الدولة وفق ذهنية ردة الفعل، فهي تسارع إلى معالجة النتائج دون أي تفكير بوضع خطط مسبقة للأزمات والكوارث، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في حرائق عام 2019 حيث التهمت النار مساحات واسعة من الغابات في لبنان، في الوقت الذي كانت الأطراف السياسية ترمي التهم على بعضها البعض حول المسؤولية عن الإهمال في التعامل مع الأزمة حينها.
أما اليوم، وبعد انتشار فيروس كورونا وإعلانه وباءًا عالميًا، وبعد اتخاذ الحكومات أقصى درجات التأهب، وبعد أن اتخذت الحكومة اللبنانية سلسلة من الإجراءات للوقاية من تفشي الفيروس، ومنها منع التجول الجماعي وإغلاق المرافق العامة والخاصة فيما عدا المرافق المهمة للعيش، بدأت تظهر تداعيات توقف الحياة على المواطنين كافة، وخاصة الأشخاص المعوقين!
فهل سيترك الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة للموت داخل منازلهم أثناء الأزمات والكوارث بسبب نقص المواد التموينية وتعذر القدرة على التنقل وتأمين الدواء والطبابة وبسبب النقص الحاد في المواد والإمكانيات والقدرات لمواجهة الكارثة الحالية؟
الحجر المنزلي
يجد الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وتقدر النسبة بـ 15 % من المتواجدين على الأراضي اللبنانية من ذوي الاحتياجات الخاصة، يجدون صعوبات في التنقل من منازلهم من أجل التبضع أو لإحضار الأدوية أو بسبب الحاجة الماسة للطبابة أو لعلاجات خاصة، خاصة وأن الشرطة بدأت بتسطير المحاضر بحق من يعمل في النقل العام من سيارات وباصات مما أدى إلى تضييق الخناق أكثر على المواطنين من هذه الشريحة.
كل يوم بيومه!
ضربت كارثة الكورونا رواتبهم وأشغالهم وحرمتهم من مصدر رزقهم. فنسبة كبيرة من ذوي الاحتياجات الخاصة يعملون كمياومين في لبنان وليس لديهم وظائف ثابتة ورواتب ثابتة يتقاضونها في نهاية كل شهر. ونسب البطالة بينهم مرتفعة جدًا، والعاملون منهم يتقاضون أجورهم وفق “اليومية” ومنهم من لديهم شغل خاص صغير دون وظائف ورواتب ثابتة، ويعيشون وفق مبدأ “ربي أعطني كفاف يومي” فقط لا غير.
قبل الكارثة الحالية، فيروس كورونا، كان ذوي الاحتياجات الخاصة مهملين من قبل الدولة اللبنانية، كانوا على هامش المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأما أثناء الكارثة فـ”حدث ولا حرج”. نسبة كبيرة منهم، يعانون من إهمال ساحق فيما خص الوظائف والمساواة في الأجور والرواتب والتقديمات الإجتماعية.
وما هي أشغالهم في لبنان؟ محل صغير لبيع القهوة على الطرقات يسمى “اكسبرس” أو بيع لبطاقات تشريج الهاتف الخليوي من داخل منزلهم أو دكاكين السمانة أو يعملون كأجراء في محال الحلويات وغيرها من الأعمال اليومية أو اليدوية والمهن والحرف الخاصة دون وجود أي ضمانات للعمل الثابت أو التعويض. وطبعًا برواتب منخفضة لا تصل إلى الحد الأدنى للأجور بما يشكل خروقات فاضحة لقانون العمل اللبناني الذي ينص ويحدد “الحد الأدنى للأجور”.
فقانون العمل يحدد الحد الأدنى للأجور بـ675 ألف ليرة لبنانية، وهذا الرقم يعتبر دخل منخفض جدًا مقارنة بالأسعار الباهظة في لبنان، دون أن نغفل ارتفاع سعر صرف الدولار منذ 6 أشهر وحتى اليوم، مما جعل الأسعار ترتفع بنسبة 40%. كل ذلك يشكل عائق إضافي أمام ذوي الاحتياجات الخاصة وذويهم.
كذلك، فلا مصادر دخل أخرى لذوي الاحتياجات الخاصة، أسوة بباقي المواطنين اللبنانيين، فكما هو معروف، في لبنان هناك مصادر دخل رديفة يحصل من خلالها اللبناني على أموال إضافية أو تحويلات من الخارج، وهذه المداخيل تشكل اقتصاد مواز، فنادرًا ما نجد مواطن في لبنان يعمل في وظيفة واحدة أو مهنة واحدة.
فيما يعتمد ذوي الاحتياجات على مساعدات ومساهمات المجتمع المدني من جمعيات مختلفة تعمل في قطاعات عدة كتأمين المعدات الطبية والأدوية والمازوت للتدفئة والمعينات الحركية وغيرها من التقديمات الحيوية إلا أن هذه الجمعيات أغلقت أبوابها جراء الأزمة بشكل إجباري. فهناك حاجة ماسة لأدوية كهرباء الرأس أو الصرع وأدوية الضغط والسكري والأمراض المزمنة.
ففي لبنان على المواطن الركض دومًا للحصول على الخدمة، وعليه أن يطرق الأبواب مرارًا، إذ لا تقدم الدولة الخدمات للمواطنين بسهولة، فكيف هي الحال اليوم أمام ذوي الاحتياجات الخاصة مع إغلاق المرافق الحكومية وتوقف حركة النقل! فالدول قد رصدت ميزانيات ضخمة لمواجهة انتشار الفيروس بينما يعتمد لبنان على الهبات الخارجية والتبرعات والمكرمات من الخارج في ظل تراكم الثراء لدى قلة قليلة من الطبقة الحاكمة.
أطراف الأطراف
يعتبر ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال والنساء من أكثر الفئات تعرضًا للخطر والضرر أثناء الحروب وأوقات الأزمات والكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة. وما يحصل الآن من انتشار لوباء كورونا يشبه في تداعياته الحروب.
كما يجب الأخذ في الاعتبار الفروقات الجغرافية بين آماكن سكنى ذوي الاحتياجات الخاصة، فكما هو معلوم، فإن كبرى مشاكل لبنان تتمثل في المركزية في العاصمة بيروت بينما تغيب أو تضمحل الخدمات في مناطق الأطراف في بعلبك والبقاع والجنوب والشمال وعلى مقربة من الشريط الحدودي مع سوريا وفي القرى النائية حيث الخدمات تكاد تكون شبه معدومة.
لكن هذه الخدمات صارت أثناء انتشار وباء الكورونا في “خبر كان” كما يقال، وبات الأشخاص المعوقون معرضون للذل أو الاستغلال أو الموت البطيئ بفعل عدم تمكن الدولة من الوصول إليهم وتقديم الخدمات والمعونات.
تضامن اجتماعي!
أثناء الحروب يحدث أن تجتمع الجماعات على أهداف وطنية أو قومية وتحتل الحماسة عند الجماعة مكانة عالية من أجل صد الهجوم من الأداء، وبذلك يقوى التكاتف الاجتماعي. بينما الأن في حالة انتشار فيروس الكورونا، فما نشهده هو طغيان للنزعة الأنانية وسيطرة للفردانية، حيث انتشر مؤخرًا أن في فرنسا على سبيل الذكر لا الحصر، أن أفراد عائلة أحد المصابين بالفيروس، وهو والدهم، قد رفضوا زيارته في المستشفى بعد طلب الوالد رؤيتهم قبل موته!
إذًا، فالنزعة الفردانية وغياب التكاتف الاجتماعي، أو التباعد الاجتماعي، يضع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في مواقف أقسى وأكثر صعوبة. فأحيانًا يشعر الأهل أو الأقرباء أو المحيط والمجتمع أن أمامهم عالة مكلفة ماديًا ومعنويًا للأسرة في الأيام العادية قبل الأزمة، وأما الأن فما علينا سوى أن نتصور ما هي الحال عليه أثناء الكارثة! وربما يقول البعض “يا ربي نفسي”، لذلك فإن المسؤولية صارت تقع على كاهل الدولة والمجتمع المدني إذا لا يمكن التعويل على “إنسانية” الناس ومبادراتهم الفردية العفوية فقط.
بين الكورونا والجوع!
زينب وحود، 30 سنة، تعاني من إعاقة حركية، شاركت موقع ألتراصوت تجربتها أثناء الحجر المنزلي بالقول “الوضع صعب خاصة وأنني زوجة وأم لطفل يبلغ من العمر سنة واحدة، كذلك فزوجي شخص معوق لديه اعاقة حركية، مما يضعنا أمام تحديات صعبة كأسرة”، وتضيف “زوجي لديه ماكينة لبيع القهوة والشاي (اكسبرس) لكن السلطات أجبرته على إغلاقها وبالتالي فقدنا مصدر رزقنا ومصروفنا، لا بل أن السلطات قامت بتسطير محضر مخالفة يبلغ 500 ألف ليرة لبنانية لأن زوجي لم يلتزم بالإغلاق إذ ليس هناك حلول بديلة أمامنا”.
تشير زينب أن حليب الأطفال سينفذ لديها ولا قدرة لهم على تأمين ثمنه (20 دولار أمريكي ثمن عبوة واحدة فقط)، خاصة في ظل تضخم الأسعار الجنوني، “لذا سنضطر للاستدانة، وهي كارثة على كل الصعد” تقول زينب، إذ لا يكفي الطعام في منزلها لفترة آمان ممتدة. فيما تعمل زينب عاملة اجتماعية في الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا في بعلبك، ويقدم الاتحاد خدمات عديدة للأشخاص المعوقين، كما يعمل طاقمه حاليًا لإعداد لوائح بالاحتياجات وللتواصل مع المعنيين.
وتصف زينب الحالة في المنطقة بأنها “مزرية” إذ هناك نقص الأدوية والغذاء والمازوت والحليب والحفاضات، وشددت على أن التهميش يطال النازحين السوريين حيث لا إمكانيات لتقديم المعونات لهم خاصة في ظل شح تقديمات الأمم المتحدة وارتفاع المتطلبات بما يفوق القدرات المتوفرة.
وبحسب قولها مما سمعته من أهالي المعوقين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين ممن لديهم أفراد معوقين بأنهم مستعدون للتضحية بهم كي يعيش الأفراد الآخرون غير المعوقين إذ لا إمكانية لتأمين الكفاية من الطعام والدواء للجميع. وأشارت إلى أن معضلة ذات أهمية قصوى برزت وتتعلق بدفع إيجار المنازل والمحلات أو إيجار الخيم في مخيمات النازحين السوريين مما سيعرض الآلاف لضغوط وإشكالات من مالكي المساكن.
كذلك فهناك اجتماعات حصلت في بعلبك بين المعنيين ورؤساء البلديات ومسؤولين من الوزارات المعنية وتقرر توزيع معونات تموينية لكن الحاجة تفوق بكثير ما هو مقدم من قبل الدولة. كذلك لم تلحظ التقديمات بشكل خاص الأسر التي تضم أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، كذلك فالمعونات مقدمة للمواطنين اللبنانيين فيما يستثنى منها الأشخاص المعوقين من بقية الجنسيات مما ينذر بأزمة حادة في الأيام المقبلة، فهل بات المواطن في لبنان عمومًا، وذي الاحتياجات الخاصة خصوصًا، بين فكي الموت جوعًا أو الإصابة بفيروس الكورونا!
Leave A Comment