لبنان الذي احتَّل مؤخراً المرتبة الـ١٤٥ من بين ١٥٣ دولة تناولها المؤشر السنوي العالمي للفجوة بين الجنسين، الذي صدر بنهاية ٢٠١٩ عن “المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس”، يخضع لامتحان جديد، حتى الساعة مؤشراته لا تضعه في خانة القادرين على اجتيازه بنجاح.
ومن دون شك أن الفجوة بين الجنسين تلقي بظلالها السلبية وبشكل واضح على النساء، خلال مواجهتهنّ اليومية مع الأزمة الناتجة عن فيروس كورونا المستجد. هذه الأزمة تضعنا أمام امتحان أساسي يتمثّل في كيفية حماية النساء من تداعيات وباء كورونا، مع ارتفاع نسب التبليغ عن عنف يتعرضنَّ له، وعن تهديد يرافقهنَّ حتى في منازلهنّ خلال الحجر الصحي.
إذا، في الوقت الذي يحاول العالم مجتمعًا ايجاد علاج لهذا الفيروس، نجد أنَّه بالنسبة للنساء تتعدّى تداعياته الوضع الصحّي، حيث أن الإصابة به قد لا تكون هي وحدّها المشكلة ،لأنَّ تحديات أخرى وكبيرة بدأت تلوح في الأفق وتهدد النساء، نفصلّها في هذه الأسطر.
ارتفاع في التبليغ عن حالات عنف ضد النساء بنسبة 60% وبعضها تهديد بالقتل
تُجمِعُ كلٌ من منظمة “أبعاد” و”كفى” و”التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني” وهنّ من المنظمات الرائدة وطنيًا في العمل على حماية النساء من العنف الأسري، على ارتفاع نسبة التبليغ عن عنف يُمارس ضد النساء. وفي هذا السياق تقول رولا زعيتر المسؤولة عن الخط الساخن في التجمع النسائي الديمقراطي، أن نسبة التبليغ عن حالات عنف ارتفعت حتى الأسبوع الثالث من شهر آذار بنسبة تخطت ٦٠% مقارنة بالأشهر الماضية، وهو ما أكدت عليه أيضا جيهان إسعيد مسؤولة برنامج المساحات الآمنة وجينا الدار في منظمة “أبعاد”، التي كشفت لنا ورود اتصالات على الخط الساخن من نساء لبنانيات وغير لبنانيات، لافتة إلى أنّ العنف لا يقتصر فقط على المنزل بل أيضا على المجتمع، وأشارت إلى تسجيل برنامج الدار ستة اتصالات من نساء مهددات بارتكاب جرائم بحقهنّ، في يوم واحد فقط.
بدورها تقول سيلين الكك الاختصاصية الاجتماعية ومنسقة مركز الدعم في منظمة “كفى”: “خلال إثني عشر يوماً من العمل في المنزل وتلقي اتصالات النساء عبر الخط الساخن فإنَّ نسبة التبليغات ارتفعت، إلا أنّ نوعيتها اختلفت”، مشيرةً إلى أنهنّ اعتدن أن يتلقينّ اتصالات من نساء ليأخذن موعداً من المختصة الاجتماعية، لكن هذه المرة الأمر مختلف، إذ أن الاتصالات تأتي من نساء يتعرضنّ للعنف الآني .
الكورونا يضع المنظمات أمام تحديات كبيرة لحماية النساء!
ارتفاع وتيرة العنف الممارس ضد النساء تَرَافق مع معطيات جديدة، طالت نساء معنّفات سابقاً وحالتهنّ متابعة من قبل جمعيات ومؤسسات، فزادت الأزمة من حجم الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية عليهنّ، وبات مسار عمل طويل ودعم تلقينّه أمام تحديات جديدة، خاصة أن عمل هذه الجمعيات محصور في هذه الفترة بالمتابعة النفسية والاجتماعية.
وهنا تحدثنا سيلين الكك من منظمة “كفى”، فتؤكد أن الحجر المنزلي قيّد حركة المنظمة، التي تقتصر اليوم على المتابعة الاجتماعية وتزويد النساء بخطة السلامة، وتتابع “للأسف في الشق القانوني المحاكم أقفلت أبوابها، في نقطة تطرقت إليها أيضاً رولا زعيتر من التجمع، فتلفت إلى تعليق متابعة الخدمات القانونية حتى تستأنف المحاكم والدوائر الرسمية عملها، مع الحرص على استمرار تقديم اللجنة القانونية في التجمع المشورة والدعم خاصة في الحالات الطارئة.
وهنا نسأل هل يكفي في ظل ارتفاع نسبة تبليغ النساء على عنف مستمر أو عنف يتعرضنَّ له حالياً، أن تُقدَّم إليهنّ فقط خدمات الدعم النفسي عبر الهاتف؟ وهل تمتلك كلُّ النساء المعنفات هواتف لاستعمالها في جلسات الدعم النفسي؟ وماذا عن خدمة الإنترنت هل هي متوفرة لهنّ؟ وهل النساء قادرات على إيجاد غرفة خاصة بهنّ ليستمعنَّ ويتفاعلنَّ مع المختصة النفسية، خاصة أن عائلتها وربما المُعنِّف متواجد معها في المنزل عينِهِ خلال الحجر المنزلي؟ وماذا عن النساء غير اللبنانيات وتحديداً عاملات المنازل؟
عاملات المنازل الأجنبيات أكثر الفئات تضرراً في زمن الكورونا.
للأسف، فإن كافة النساء اللواتي يعشنّ على الأراضي اللبنانية، يعانين من تبعات انتشار فيروس كورونا، وهنا لا بدّ من الحديث عن الوضع القاتم الذي تعيشه عاملات المنازل في لبنان، حيث كشفت إيمان الحايك من حركة مناهضة العنصرية لموقع “شريكة ولكن”، عن واقع ممتد بدأ مع الأزمة الاقتصادية ونقص الدولار وارتفاع قيمته مقابل الليرة اللبنانية، والذي دفع إلى عودة عدد من العاملات المنزليات إلى بلادهنّ، وتفاقَمَ مع إعلان التعبئة العامة من قبل الحكومة اللبنانية وما رافقها من إقفالٍ للمطار، الأمر الذي حال دون عودة فئةٍ كبيرةٍ منهنَّ إلى بلادهنّ، كما حال دون عملهنَّ نتيجة حظر التجول من جهة وخوف ربات المنازل من استقدام أي شخص غريب إلى منازلهنّ بسبب فيروس كورونا من جهة أخرى.
كما تؤكد ايمان أنّ هناك استخفاف بوضعهنّ ومتابعتهنّ صحياً، خاصة أن أكثر من عشرة أشخاص يعيشون/ن في غرفة واحدة ما يعني أنَّ الاستهتار بأيّ حالة سيؤدي إلى كارثة على المستوى الصحي، وأنّ أيّ تقديمات تصل إلى اللبنانيين/ات فهي بطبيعة الحال تستثنيهنّ، ناهيك عن الخطاب العنصري الذي يَطالهنّ بين الحين والآخر وفرض عدد من البلديات حظر تجول عليهنّ دون اللبنانيين/ات.
كما تطرقت الحايك إلى أكثر من حالة تم تسجيلها، عند إعلان الدولة اللبنانية حالة التعبئة العامة، حيث عمد عدد من الأشخاص اللبنانيين إلى انتحال صفة أمن عام وتهديد عاملات المنازل بهدف الحصول على أموال منهنّ وابتزازهنّ.
فئاتٌ تُرِكت وحيدة… ماذا عن المنظمات؟
الإجابة قمنا باستنتاجها عندما أكدت لنا سيلين الكك من منظمة “كفى” وصول إخبار من فتاة عمرها 19 عاماً، أهلها يضغطون عليها ومصرين على تزويجها، وتقول: “تواصلت معنا واضطرت للهرب من منزل عائلتها، إلى منزل صديقتها لأنَّنَا لم نستطع تأمين مركز إيواء لها”، وتتابع في هذه النقطة لتؤكد أن معاناة كبيرة يواجهونها كمنظمات جراء عدم تعاون مراكز الإيواء معهم ورفضهم استقبال أي طلبات جديدة يرسلونها إليهم، خوفاً من إمكانية أن تكون هذه الحالات حاملة لفيروس كورونا، وهذا ينطبق على القوى الأمنية التي تعجز أيضاً عن تأمين مراكز إيواء للنساء المعنّفات في زمن الكورونا.
وتضيف سيلين الكك، المشكلة لا تقف هنا بل تتعداها إلى حالات عنفٍ تمَّ تسجيلها بحق نساء لجأن إلى المخفر وعلى أجسامهنّ آثار عنف، وعندما طلبت النيابة العامة طبيب شرعي لتوثيق التعنيف، يرفض الأخير المجيء خوفاً من كورونا.
موقع “شريكة ولكن” تواصل مع زينة ماضي مديرة جمعية “خدمة الولد والأم في العيلة”، وهو مركز إيواء يتسع لعشر عائلات مع أطفالها، يعمل على تمكين النساء وتحضيرهنَّ لمواجهة المستقبل، وفي معرض حديثنا أكدت لنا أنَّ المركز يتواجد فيه حالياً سبع عائلات، إلاّ أنها تتجنب استقبال عائلات جديدة قد تكون حاملة لفيروس كورونا، وتهدد العائلات المتواجدة في المركز.
وعن البدائل تؤكد أنها تنتظر الوضع، واذا ما استقر ستطلب من أي عائلة تستقبلها إجراء فحص كورونا، والخضوع لحجر صحي مدة 14 يوماً، كشرط لبقائها في المركز.
هل من خطة طوارئ للجمعيات والمؤسسات في حماية النساء؟
تؤكد جيهان إسعيد من منظمة “أبعاد” أنهم/ن كانوا/ن مجهزين للتعامل مع أي حالة طارئة، منذ انطلاق ثورة السابع عشر من تشرين، حيث عمدن إلى وضع خطة استباقية بحال تدهور الوضع في البلاد، وبناء عليها عملت منظمة “أبعاد” على تطويرها وتطويعها للوقوف إلى جانب النساء في زمن الحجر الصحي، وتتابع إسعيد الخطة التي وضعناها أعدنا فيها النظر بما يتناسب ووضع البلد والوضع الطبي والضرورات للاستمرار بتقديم الدعم النفسي خلال الهاتف أو الاتصال من خلال الفيديو وتأمين حاجات السيدات بالحالات الطارئة إن كان دعم مادي مؤقت أو خدمات طويلة الأمد.
من جهتها سيلين الكك تؤكد استمرار منظمة كفى في تفعيل المتابعات عبر الهاتف في الوقت نفسه تلقي طلبات جديدة من النساء خصوصا اللواتي استقلّين عن المعنف واستقرين، وتقول: “كثيرات منهنّ خسرن عملهنّ، وهنّ بحاجة لدعم مادي في هذه الظروف نعمل ونحاول ايجاد جهة تدعمنا في مساندة النساء، في فكرة لانزال قيد العمل عليها”.
أمّا التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني فيسعى إلى جانب المتابعة النفسية والاجتماعية، الاستمرار في المتابعة القانونية بما يتناسب مع الوضع العام الذي فرض إقفال المحاكم والمؤسسات القانونية.
يبدو أن الأيام المقبلة ستحدد معالم توجه الجمعيات والمنظمات التي تراقب التطورات، وتتهيأ لتوفير مظلة أمان للنساء، تحميهنّ من فيروس كورونا وفيروس العنف المستشري في مجتمعاتنا.
Leave A Comment