نحو معرفة نسوية نحو تضامن نسوي
لا يزال الكثير من الرجال يعتقدون أن وقوفهم في صف المرأة في مواجهة العنف والزواج المبكر والتحرش وكل الأفعال الذكورية، هو فعل يستحقون من أجله التقدير والتصفيق الحار.
في الحقيقة، الأفعال والمبادئ الإنسانية هي أمور بديهية لا يجب أن تتوقع أن ينسب إليك أي فضل لقيامك بها، بل يجب أن تساهم في نشرها وتطبيقها وليس انتظار الشكر والامتنان عليها.
الرجال هم المسؤولون، في المقام الأول، عن معظم المشكلات وانعدام الحقوق والعنف واللامساواة تجاه النساء. لذلك، يتحمل جميع الرجال، بمن فيهم أولئك الذين لم ولا يرتكبون العنف أو الإساءة ، مسؤولية لعب دور في النضال لإنهاء كل ذلك.
إذا دخلنا في عمق العلاقات، نجد الكثير ممن يعتبرون أنفسهم حلفاء أو حتى نسويين، يتبجحون ويتشدقون بـ “مساعدة” زوجاتهم في أعمال المنزل أو في رعاية الأطفال، أو الطبخ، أو تنظيف الحديقة, مستخدمين عبارة “مساعدة في الأْعمال المنزلية”، وهذا تصور ضمني يفيد أن تلك المهام المنزلية، في النهاية، مسؤولية النساء التي “يساعدهم” فيها الرجال!
كما يتبجح بعضهم الآخر بعدم التدخل في لباس النساء في عائلاتهم؛ وكأنهم “يتخلون” بذلك عن امتياز أو حق طبيعي، دون أن يسائلوا هذا التصور المجتمعي نفسه، الذي يعطيهم حق الوصاية على أجساد ولباس قريباتهم.
أما “المثقفين” منهم، فأصبحوا يعرفون عن أنفسهم في العلن وفي أي مناسبة بكونهم نسويين، في إشارة لدعمهم للحركة النسوية. لكنهم، وفي خضم النقاشات والجدالات، سرعان ما يكشفون بطريقة أو بأخرى عن ذكورية مهذبة، يستطيعون من خلالها ممارسة الذكورية بتهذيب واحترام، في مشهد يظهر لنا نحن النساء كمسرحية كوميدية ساخرة. حيث يسهب هذا المثقف بالشروحات والتنظير حول القضايا النسوية وكيف يجب على النساء مناصرتها, ومنهم من ينتقد النسوية أو النسويات بهدف, على حد تعبيرهم, تصحيح مسار هؤلاء النسويات, لكن الأسلوب غالباً ما يكون ذكوري هدّام يفتقد للموضوعية, ويرمي بعضهم باللوم على النسويات و يتهمهن بالفشل في إحراز تقدم في قضايا, نعم نسوية لكنها ثانوية, متناسين الواقع الصعب ومتجاهلين أنهم هم ضمن المجموعة المهيمنة ، فهم يتمتعون بإمكانية الوصول إلى السلطة الاجتماعية والمؤسسية التي تفتقر إليها النساء. يستمر هذا المثقف بلهجته المتعالية بسرد المطالب, وفرض الوصاية, والاستخفاف بالجهود, والاصرار على سجالات ذكورية سامّة تصل لحد السخرية أحياناً من نضال النسويات.
كثيرا ما يتطفل الرجال الذين يدخلون المساحات النسائية دون دعوة صريحة على النسويات, فهم يصنفون أنفسهم على أنهم “خبراء” في الحركة النسوية ويبالغون في مؤهلاتهم ، فمنهم أولئك الذين يصرون على أن نسويتهم في طور التطور ومن الطبيعي أن يرتكبوا الأخطاء على الدوام, لكن على العكس تماماً, دائماً ما يلاحقون النسويات بأسلوب كيدي صرف موجهين لهن أصابع الاتهام بالتقصير وعدم المعرفة الكافية.
مع الأسف، لازال العديد من الرجال الحلفاء، رغم صدق نواياهم، يعانون ذكورية مبطنة دفينة. يودون تصديق أنهم تخلصوا منها، لكنهم دائما يفشلون. على سبيل المثال لا الحصر، خلال النقاشات النسوية التي يدأب من يعرف عن نفسه بـ “الرجل الحليف” حضورها، لازال هذا الرجل يمارس سلطة فوقية، يفترض من خلالها معرفته الأكبر والأعمق حول ما يجب على النسويات فعله أو طريقة مواجهته. لا يستطيع من خلال هذه السلطة التوقف عن إسداء النصح، وعرض المساعدة وسرد مقارنات عن أفعاله الجيدة التي تخالف الذكورية، كعدم ضرب النساء، أو التدخل في لباس أخته، أو مساعدة إحداهن بلا مقابل، أو “المساعدة” في أعمال منزلية أيضا، يقع معظم الرجال الحلفاء في فخ الإنكار للامتيازات والفرص والتقبل المجتمعي وغيرها كثير. كما نرى معظمهم يتغنى بتجاربه وقصصه والمثالية التي يسعى لها، ويشاركنا الحديث عن ماذا فعل مع زميلته في العمل، وأمّه وأخته في المنزل وحبيبته وجارته وعدد لا متناهي من قصص نجاحه النسوية في دائرته الصغيرة.
مؤخرا، ازدادت أعداد الرجال ممن يصفون أنفسهم حلفاء النسوية. لكن الكثير منهم يدعون هذا ليظهروا بصورة البطل، في بيوتهم وأماكن عملهم ومع حبيباتهم وطبعاً على السوشال ميديا. هذا الرجل يرى نفسه, رجلاً متفوقاً, غير عادي, لا يشبه عامة الرجال, فهو المنقذ الرحيم بنساء دائرته الصغيرة, لكن، على أرض الواقع، هم جمهور متفرج، ينأى بنفسه عن أي فعل حقيقي يدعم النساء
من هو الرجل الحليف؟
الرجل الحليف هو الرجل الذي يحاول دائما الاستماع جيدا للنساء، ويطلب النصائح حول كيف يكون حليفاً فاعلا؛ فالأمر لا يتعلق بالرجل أبدا. مثلاً، عندما تتحدث النساء عن مواجهتهن عدوانية الرجال، ويكون ردك كرجل: “أنا حليفكن، ولم أؤذِ امرأة في حياتي، وليس كل الرجال عدوانيون، وعليكِ أن تثقي بي”؛ فأنت هنا تتجاهل الكثير من المواقف التي يتعين على النساء فيها القلق بشأن سلامتهن، مفترضاً أن وجود أشخاص مثلك يحلّ المشكلة، وأنه على المرأة البحث عن أمثالك. أنت تحاول، بمثل ردودك هذه، الدفاع عن نفسك، مع أنك لست الضحية ولا الشخص الواقع تحت الظلم و الاضطهاد.
من المهم أن يقرّ الرجال بأنهم لم يعيشوا واقع المرأة؛ بل على العكس، على مرّ الزمن، ساهم كل رجل بأبسط امتيازاته في تعزيز هذا الواقع المرير والظالم. كونك حليفًا ذكرًا للنسوية لا يجب أن يمنحك ذلك الشعور بالرضا عن نفسك.
عليك تجاوز التجارب الشخصية ومساعدة الأفراد فقط. وسّع نطاق فاعليتك، في العمل والشارع والمجتمع. يمكن أن تكون غير مرتاح لكل هذا، لكن التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها.
ماذا لو كرّس الرجل الحليف نفوذه (وهو امتياز) في المناصرة وصنع القرارات؟ يمكنكم تغيير قواعد اللعبة في السياسة والمؤسسات والمجتمعات التي تدعم وتعزز المعايير الجندرية الظالمة. ماذا لو تبدؤون في محيطكم بتصحيح الأفكار الخاطئة حول النسوية ومطالب النساء؟ لكن، تذكروا دائما أنتم لستم من يضع الأجندة، بل عليكم دائما البحث عن أفضل السبل التي يمكنكم المفي الحقيقة، لا يتعلق الأمر بإلقاء اللوم على الرجال كأفراد، ولكن الاعتراف بأنه كي يحدث التغيير، يجب على كل رجل أن يلعب دورًا فيه.
بالطبع، يتحمل الرجال الذين يشغلون مناصب قيادية في المؤسسات المؤثرة مثل السياسة والأعمال والإعلام وغيرها مسؤولية خاصة للتحدث علناً والعمل على بناء المساواة بين الجنسين في أماكن عملهم ومجتمعاتهم الأوسع. يمكن للرجل الحليف أن يمتلك شجاعة لنقاش موضوعات مثل الأجر المتساوي والتوظيف العادل والترقية، ويمكنك أيضاً أن تعرف عن نفسك كرجل حليف أمام زملائك وفريقك وأصدقائك.
يمكن للرجال إحداث فرق حقيقي في تفاعلاتهم اليومية مع أفراد الأسرة والأصدقاء والزملاء وأيضا في الشارع. يمكن للرجال تحدي التمييز الجنسي وكره النساء عندما يواجهون ذلك.
مثلا، ربما لن يكون من الواضح للمرأة التي تسير خلفها أنك لا تقصد أي ضرر لها. نحن لا نتحكم في كيفية تلقي أفعالنا ولا يمكننا معرفة التجارب السلبية التي ربما مرت بها المرأة سابقًا مع الرجال ويمكن لفعل كهذا، بسيط وبريء، أن يشكل لها رعبا ومشكلة في العودة للمنزل. لذا، خذ المبادرة وابتعد…
يمكن للرجال أيضًا أن يكونوا حلفاء نشطين في حياتهم اليومية، من خلال التشكيك في التعليقات أو الصور النمطية المعادية للمرأة، أو التحدث إلى صديق يبدو سلوكه تجاه النساء غير صحيح. وأيضا، إذا شاهدت سلوكًا مسيئًا فعليًا أو محتملًا، هنا، لديك الخيار لتحدي المعتدي إذا كان من الآمن القيام بذلك، ومحاولة تشتيت انتباهه، والتحقق من الضحية إذا كانت بحاجة إلى المساعدة، وطلب الدعم في حال احتاج الأمر.
عندما يقرر الرجال الحلفاء القيام بأي خطوة، يجب عليهم القيام بذلك بحساسية، والاعتراف بالقيادة النسائية قديمة العهد ودعمها في هذا المجال. بدون ذلك ، يمكن أن يكون هناك خشية تولي الرجال زمام الأمور من خلال السيطرة على النقاشات، أو ادعاء الخبرة التي لا يمتلكونها، أو أخذ الفضل على حساب جهود النساء.
من الضروري أن يتصرف الحلفاء الذكور بطريقة خاضعة للمساءلة، وأن يكونوا مستعدين لتلقي التعليقات النقدية من النساء والتصرف بناءً عليها. لا يمكن للرجال المطالبة بمساءلة النسويات؛ بل إنه عليهم دائماً المطالبة بمساءلة الرجال الآخرين. يجب أن يكون دعمك غير مشروط، وكونك حليفاً لا يعطيك مصداقية مطلقة.
وتذكّر أنه، في مجتمع ظالم وغير منصف للمرأة، لا يكفي أن تكون غير ظالم؛ بل عليك أن تكون مناهضاً لهذا الظلم! فإذا كنت محايدًا في حالات الظلم، فقد اخترت جانب الظالم… إنصاف المرأة لا يعني أنك من يتنازل عن الحقوق ويعطيها للمرأة، بل ذلك يعني أن حقوق الجميع أصبحت متساوية.
نعمى فواخرجي – سوريا
Leave A Comment