كتبت هبة عمر في المحطة:
يُستَخدم تعبير الاستلاب العقائدي كمصطلح عامّ غير مرتبط بأيّ دلالات سيكولوجية علميّة، بل هو تعبير أيديولوجي عَقَديّ وفكريٍّ يرمز بشكل أساسيّ للسيطرة والتدخُّل في القاعدة الفكرية كقالب مقدّس. وقد يعبّر هذا المصطلح، في وجه الخصوص، عن السيطرة على تفكير المرأة كاستلابٍ عقائديٍّ يُحدّد قناعاتها ونظرتها لذاتها ككيان دونيّ، ويحصرها بأدوار بسيطة ومحدودة.
ويتمّ تفعيل هذا الاستلاب العقائدي بشكل مباشر من خلال التنشئة الاجتماعية، فتصبح المرأة مقتنعة بدونيّتها عن الرجُل وبفكرة ضعف جسدها بيولوجيًا، فتحدّد لنفسها أدوارها المهنية أو الأكاديمية مثلًا، وتترك للرجُل أغلب الأدوار الصعبة والتي قد تتطلّب جهدًا، سواء فكري أو جسدي، لاقتناعها بعدم ملائمتها لهذا الدّور من الأساس.
قد تكون فكرة الاستلاب العقائدي تمثل مقولة (المرأة عدوٌّ للمرأة) من حيث أنها هي من تقف كعائق أمام نفسها آذا استثنينا فكرة تدخل التنشئة الاجتماعية بشكل أساسي في هذا الاستلاب.
ويعبّر مصطفى حجازي في كتابه “سيكولوجية الإنسان المقهور” عن وضع المرأة الذي يعكس على حالة المجتمع، بتراجعه وتخلفه أو بتقدمه، فالمرأة التي تعاني معاني النقص والقهر في مجتمعها تكون في الغالب في مجتمع متخلف.
وشرح مصطفى حجازي في كتابه أنواع الاستلاب، بشكل عامّ، الذي تتعرض له المرأة، فيتمثل في:
-الاستلاب الجنسي: وضع المرأة بقالب الجسد الذي يُستَمتع به، وأنّ السبب في وجودها هو سبب جنسي، بالإضافة لوظيفة الإنجاب التي تعطيها الأهمية الوحيدة في وجودها كجزء من المجتمع.
-الاستلاب الاقتصادي: الذي يحدث بحصر المرأة بمهن وأعمال بسيطة لا تتطلب الجهد العقلي أو الجسدي، وبالمقابل تتقاضى الأجر المتدنّي.
-الاستلاب العقائدي: النوع الذي نتحدث عنه هنا، حيث يتمّ إقناع المرأة بساذجية تكوينها العقلي وبساطة تفكيرها، فتصبح هي نفسها تُعارض أي فكرة لا تتناسب مع هذه العقيدة التي تم إنشاؤها وربطها ببيولوجية المرأة بشكل أساسي، وعليه امتناعها عن الخوض في دراسة تخصصات معينة أو مهن معينة.
وكما ربط مصطفى حجازي الاستلاب بتبني أسطورة حوّاء بضعفها واحتيالها ومكرها، فحوّاء مجسّدةٌ الآثام والشرور ومصدر كل غواية، وبالتالي يطمس هذا الاستلاب إمكانات الوعي بوضع المرأة لنفسها ويطمس رغبتها في التغيير والقدرة على التحرر، فتكون أوّل المتواطئين ضدّها، ويتمّ بناء أسطورة الأم المتفانية في خدمة أولادها وزوجها، تلك التي تتلخص سعادتها في استنزاف ذاتها تحت شعار العطاء وشعورها بالسعادة التي تتلخص من خلال القيام بالأدوار التي تُناط بها، وأنها عبء طالما لم تصبح أمًّا، وأيضًا كونها عورة ويجب أن تُستر وشرفها يكمن في الحفاظ على هذه العورة.يكمن دور هذا الاستلاب باعتبار المرأة هي المسؤولة عن التنشئة المبكرة واللاحقة للأطفال، فعند اقتناعها بالنّظم الاجتماعية مجملة تستطيع نقلها لأبنائها وهنا تكمن وظيفة هذا الاستلاب باعتبار المرأة قناة وصل مهمة في نقل الثقافة، بضرورة اقتناعها بمجمل أساسيات هذه الثقافة.
ويقف الاستلاب العقائدي عائقًا مهمًا في مسيرة تقدم المرأة في كافة المجالات وزيادة الصعوبات التي يكون عليها تخطيها وتغييرها بشكل تدريجي.
لكن ما علاقة الاستلاب العقائدي بقوة المعتقد؟
إنّ الموروث الشعبي ذو قوة تأثيرية قوية في ترسيخ العادات والتقاليد، والذي ليس من السهل تغييره إلا على المدى الطويل والمراحل المتدرجة والانتقالية إلى مجتمع مرن أكثر.
Leave A Comment