كتبت رهادة عبدوش في شبكة المرأة السورية:
يستمرّ عرض البطولات بين النساء في مختلف أنحاء العالم في المطابخ على صفحات التواصل الاجتماعي (الفيس بوك، اليوتيوب، الانستغرام) لتبرز عضلات الفنانات والطبيبات والمعلّمات وكل من اضطّرت للحجر مع أولادها أو في بيتها في صنع ما لذّ وطاب، لتثبت لنفسها ولغيرها أنها لازلت موجودة ومبدعة أينما حلت.
وكان المطبخ بالنسبة للسوريات اللواتي لجأن إلى دول أخرى هرباً من العنف الدائر في بلادهن، المكان البديل لأي تجمع، ففيه تتواجد نساء من مختلف البلدان ليتنافسن على أنواع جديدة أو قديمة من الطعام، كطريقة للتواصل مع ذكريات مدنهن وقراهن لعلّهن لا يقطعن حبل التواصل مع الوطن. فنرى مطبخ غربة و رباح و هبة وغيرهم كثير.
ولا يعني هذا أن الرجال أقل من النساء شغفاً بالمطبخ أو بإنشاء مجموعات تعليمية للطبخ مثل شام أصيل وعمر وأبو جوليا … الخ لكن المرأة تعامل المطبخ على أنّه مملكتها وأنه المكان الأكثر أمناً وأماناً، نتيجة فرض المجتمع هذا الأمر عليها في كثير من الأحيان.
استراحة محارب أم قرار نهائي بالعودة
عندما خرجت (15) ألف امرأة بالخبز اليابس وباقات الورود منذ مئة عام وعقدين، مطالبات بالإنصاف في العمل والسياسة، بالتوازي مع حركة نسائية قوية تطالب بحق المرأة بالانتخابات والمشاركة السياسية، لم تتوقعن أن حفيداتهن سيحتجن مئة عام أخرى لتحقيق التكافؤ الكامل بين الجنسين في السياسة والاقتصاد وباقي الأدوار، وفي الشرق الأوسط سيحتجن 150 عاماً، وذلك حسب التقرير العالمي للفجوة الجندرية بين الجنسين عام 2020، الذي يقيس معايير 153 دولة من خلال مؤشر عالمي.
الدور السياسي والاقتصادي للنساء ما بين كوفيد والنزاعات المسلّحة
يتقلص دور النساء في النزاعات المسلّحة، ومنها في سوريا، لتصبح هي الراعية المنزلية، حيث يتم استخدامها في النزاع تارةً كشرف للعائلة والمجتمع، وتارةً أخرى كإنسان هشّ يحتاج الحماية والتعاطف حيث يستخدم اسمها في الإعلام للترويج على عنف الاقتتال (مقتل عدد كبير من الناس معظمهم من النساء والأطفال).
وبرأيي ما يتم الترويج له من قبل المنظمات كأن تكون المرأة راعية سلام ما هو إلا تعميق في الفجوة الجندرية وبتقليص دورها، فهي حمامة السلام التي تدعو إلى الإلفة والمحبّة ووقف الاقتتال، وبهذا يبرز دورها بمؤتمرات السلام ويعود فيتقلّص بالمؤتمرات السياسية وفي مراكز صنع القرار لتزداد الصورة النمطية السلبية للمرأة ويزداد تحجيمها في موقع دون آخر بحسب الحاجة لها، و ينتهي دورها بحسب ما تريده الحكومة والمجتمع. وهذا بات واضحاً إن كان في الإئتلاف والمعارضة أو في مجلس الشعب في دمشق.
المطبخ السياسي لا يؤمن بالنيات الطيبة والمثاليات
توضح الناشطة مها قنوت في كتابها (المشاركة السياسية للمرأة بين المتن والهامش) كيفية اقصاء النساء عن العمل السياسي، فالمثالية والنيات الطيبة أحد الأسباب. تقول إحدى السياسيات السوريات “الرجال دائماً يعملون في الكواليس ثم يطلبون من النساء الحضور لمناقشة هذا الموضوع … فهي دائما تعمل بنيّة صافية ولا تعمل حسابات لكل تلك الكواليس التي تحدث…”
ويشير أحد الباحثين السوريين (في الكتاب نفسه) إلى أنّ: “كل السياسة في كل العالم تجري في الكواليس، إن النظرة المثالية بأن السياسة شيء يجب أن يتم في العلن هي جزء من المشكلة. فالنساء تتعاملن مع السياسة بمثالية …”
ولدى سؤال أحد أعضاء هيئة التنسيق سابقاُ والعضو الحالي في الائتلاف حول لماذا يجري إقصاء النساء عن المطابخ السياسية التي يتشكل فيها القرار، يقول: “هن يكتفين (بمطبخ البيت) لأن هذه المطابخ تحتاج إلى صقور، فالصقور تذهب إليها، النساء لا تذهبن…”
ونحن إذ نتناول النساء السوريات لا يعني هذا ان النساء في العالم بحال أفضل كثيراّ، وهذا ما يراه فريديريكو باتيستا بيريرا، وهو أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية والإدارة العمومية بجامعة “نورث كارولينا” الأمريكية، أن ضعف تمثيل المرأة في الحياة السياسية يولد صوراً نمطية سلبية لا يستهان بها إزاءها. ذلك أن هذه الصور النمطية تقلص القدرة المعرفية لدى الأفراد على الإحاطة الفكرية بالشأن السياسي في مجمله، مقللةً بذلك من فرص هؤلاء في تقديم إجابات صحيحة على الأسئلة ذات الصلة بالمعارف السياسية المتضمَّنة في الدراسات الاستقصائية، علماً بأن الفجوة بين الجنسين على مستوى المعارف السياسية لا ترجع إلى نقص في معارف النساء، بل إلى قلة استعدادهن للتعبير عن آرائهن بخصوص قضايا سياسية.
ويؤكد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش أنّ التمثيل السياسي يشكل أوضح دليل على وجود فجوة بين الجنسين في السلطة. ذلك أن عدد الرجال يفوق عدد النساء في البرلمانات في جميع أنحاء العالم بثلاثة أضعاف في المتوسط، في حين أن وجودهن يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالابتكار والاستثمار في مجالي الصحة والتعليم.
وبالعودة إلى المشاركة السياسية للسوريات فإنها ستبقى مجرّد آمال وأحلام إن لم تترافق مع تغيير جذري بالقوانين مع دعمها للوصول إلى المساواة عن طريق فرض الكوتا بتمثيلها 50% في كل القطاعات السياسية.
أما المطبخ فنأمل أنه استراحة محارب وخيار ضمن عدّة خيارات وليس فرض ضمني أو علني من المجتمع والحكومات.
وكل عام والنضال يزداد ورداً وخبزاً.
Leave A Comment