كتبت حنان عثمان في روناهي:
يعاني الشعب اللبناني عامةً من أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية تعتبر الأخطر من نوعها، ويعاني الكردي اللبناني من هذه الأزمة وتداعياتها ويتأثر بها بالدرجة الأولى. ولكي نفهم ما يعاني منه الكرد في لبنان اليوم علينا إلقاء نظرة سريعة على تاريخ هذا الشعب العريق الذي قدم تضحيات جسيمة في سبيل شعوب ومستقبل أبناء المنطقة عامةً، وفي سبيل استقلال وحرية لبنان خاصةً، مع العلم أن المعلومات شحيحة جداً حول الإسهامات الفذة والمهمة التي قدمها هذا الشعب المخلص لتاريخ المنطقة في سبيل استقلال الشعوب من الاستعمار والاضطهاد، بالإضافة إلى دورهم البارز والحيوي في التاريخ الإسلامي وفي بناء حضارته.
نعم عانى الكرد في وطنهم الأم كردستان من كافة أشكال الاضطهاد القومي والاجتماعي، وبسبب هذه المعاناة والظلم هاجر قسم كبير من الكرد من موطنهم طلباً للعيش الكريم وبحثاً عن الأمن والاستقرار، لحقوا بالرعيل الأول الذي قدِم إلى لبنان وبعض البلدان العربية كفلسطين والأردن كقوات عسكرية قوية لسد الثغرات البحرية بوجه الحملات الصليبية، فقد كانت الأغلبية الوافدة من الأمراء ورؤساء العشائر الكبيرة والمهمة وذات النفوذ والإمكانات. إلا إن الرعيل الثاني ومنذ قدومه إلى لبنان بقي في وضع مُزرٍ حيث الفقر والحرمان من أبسط سبل الحياة الكريمة، حتى أنه لم يشهد أي احتضان، لا رسمياً ولا شعبياً، كالذي حصلت عليه بقية الجاليات من الأقوام والشعوب الأخرى، والتي هاجرت في نفس الحقبة ولنفس الأسباب.
والتاريخ يشهد أنه عند قدوم الكرد إلى لبنان لم يحصلوا على أي نوع من المساعدات، ماديةً كانت أم معنوية، كتلك التي حصل عليها بقية اللاجئين. مثلا فالأخوة الأرمن والسريان، ولأسباب دينية، استطاعوا الحصول على المساعدات من العديد من الدول والمنظمات مما ساعد في رفع مستواهم الثقافي والاجتماعي.
بل إن أغلبية الكرد لم يحصلوا حتى على الجنسية اللبنانية بالسهولة التي حصل عليها الآخرون، وما يزال عدد كبير منهم إلى اليوم يعانون الحرمان من الجنسية على الرغم من مرور كل هذه العقود على وجوده في المجتمع اللبناني. كما أن المدارس والمشافي لم تفتح أبوابها للأطفال الكرد مثلما شرعت أبوابها للأطفال من القوميات الأخرى وبالمجان.
بالإضافة إلى وصول عدد من النواب والوزراء يدافعون عن شعوبهم من اللاجئين ويحمون مصالحهم داخل البرلمان اللبناني، إلا إن الكرد لم يكونوا يملكون الحق حتى في اختيار ممثلين عنهم حتى في أدنى الدرجات. فالكردي اللبناني واجه كل هذه المطبات والصعاب عندما كان يطلق على لبنان اسم سويسرا الشرق وعندما كانت البحبوحة والرخاء تخيم على الشعب. أما اليوم فيعاني الوطن والشعب عامةً من أزمات جمة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لا سيما بعد القيود التي فرضت بسبب تفشي فيروس كورونا، وهذه الأزمات هي نتيجة تراكمات لنظام سياسي يحمل في طياته الطائفية والمحاصصة حيث النهب والفساد الذي نهش كيان وبنية الدولة.
منذ اندلاع الحراك الشعبي في لبنان والكرد يشاركون فيها رافعين الصوت عالياً مطالبين بالتغيير وبتحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية الصعبة جداً وخاصةً في هذه الأيام العصيبة في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني للمواد الاستهلاكية وخسارة قدرتهم الشرائية مع تدهور قيمة الليرة، حيث يشتكي الكثيرون من الكرد من عدم قدرتهم البتة على تأمين لقمة عيشهم.
الكرد في لبنان يعانون من الاستبداد، لكنه استبداد من نوع آخر، إنه استبداد اقتصادي واجتماعي، إذ عانى الكرد وما زالوا يعانون من كونهم مواطنين من أدنى الدرجات، وأغلبيتهم يحملون وثيقة تدعى “قيد الدرس” ويعانون من استبداد ممنهج خلق عندهم حساً مزمناً بالضعف والإحباط والعزلة وبانعدام الثقة.
هناك حاجة ماسة إلى ترميم الثقة على أن يحصل الكرد على حقوقهم وأبسطها العيش الكريم وصولاً إلى التمثيل النيابي لأنهم جزء لا يتجزأ من النسيج اللبناني وهم يفتخرون بهويتهم اللبنانية وبأصولهم الكردية العريقة.
Leave A Comment