كتبت ريم داوود في النور:
لكمات، ضربات، شتائم وشجار، هكذا كان حال مجموعة من المراهقين. صدمة ما بعدها صدمة انتابتني وأنا أشاهد مقطعاً من فيديو نُشر مؤخّراً، يظهر فيه مجموعة من الشُبّان يتشاجرون وسط ازدحام من المارة والسيارات، شجار مجهول الأسباب، كثرت فيه الأقاويل والحكايات، لكن ما زاد من صدمتي واستغرابي مشاهدتي لشاب يحمل كرسياً حديدياً ويضرب غريمه به، بأقصى ما أوتي من قوة دون التمييز أو حتى الحذر من إمكانية التسبّب بكدمات أو عاهة دائمة أو حتى وفاة. وحسب ناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي نُقل الشُبّان إلى مراكز العناية نتيجة إصابات بليغة لبعضهم. عنفٌ ما بعده عنف، وحش مجنون إن أطلقته لا يمكنك أن تسيطر عليه، عالم غارق بالضباب والعنف، شُبّان مراهقون ينتهي بهم الحال في المستشفيات عوضاً عن مقاعد الدراسة.
لقد كثُرت في الآونة الأخيرة المبادرات التي تُناهض العنف وتسعى للحدِّ منه، فما هو العنف وهل نولد بطبع عنيف؟
في الحقيقة يولد الانسان صافياً مُسالماً، غير أن العنف سلوك مكتسب لم يكن يوماً من الأيام فطرياً، والطفل لا يولد عنيفاً، إنما التربية والحياة وعنف الأهل والمجتمع المحيط يغرس في نفسه ذلك، فالعنف مهما كانت أشكاله هو ترجمة لخوف وقلق، لقسوة وعدم اطمئنان متجذّرين في نفس ذاك الطفل.
وللعنف أشكالٌ، منها ما هو جسدي يتمثّل بالسلوك العنيف الهادف إلى إلحاق الأذى بالنفس أو بالآخرين، وهناك العنف اللفظي الذي يعتمد على إلحاق الأذى بالآخرين من خلال استخدام كلمات نابية مؤذية جارحة، لها وقعها في النفس كما العنف الجسدي. وحسبما ذُكر فإن السلوك العدواني مكتسب، والأسباب التي تدفع الطفل إلى استخدام العنف عديدة، منها تعرّض الطفل للعنف، عوامل اجتماعية محيطة، مشاهدة الطفل لبرامج عنيفة أو ممارسة الألعاب الإلكترونية العنيفة، ولدينا العنف الناتج عن اضطراب نفسي أو مرض عقلي. لذا وجب التنبيه إلى أهمية الرعاية الوالدية وخاصة في سنوات الطفولة المبكرة، فالعنف لا يولّد إلاّ العنف. ونحن كأولياء على أطفالنا، علينا رعايتهم بالرفق واللين، بكثير من الحب وشيء من الحزم.
وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة لدى الأطفال سلوكيات عنيفة فاقت الوصف، وحوادث عديدة أدّت في معظمها إلى وفاة أحد الطرفين المتنازعين. والسؤال هنا: هل جميع حالات العنف تلك مردّها إلى اضطراب لدى الشخص المُعنِّف؟ أم أنها تعود إلى أسباب متعلقة بالبيئة المحيطة بالطفل والممارسات التي يتعرّض لها؟ وبعبارة أخرى يمكننا القول إن الطفل الذي يُمارس عليه أو ضدّه العنف، سيمارسه هو أيضاً على غيره، ومهما كان السبب الكامن خلف ذلك السلوك العدائي، يبقى هدف الطفل التعبير عن رغبات كامنة بوسائل غير طبيعية، فالطفل صفحة بيضاء، وحياة صفاء، ثغرٌ باسم وقلب نقي، فلنزرع في نفوس الأطفال المحبة والمودة والرحمة، فنحصدها بناء وسلاماً.
Leave A Comment