ما هي القوانين التي ترعى تمثيل الأطفال في السينما؟ وما هي آليات استخدامهم في العمل السينمائي وخاصة مشاركتهم في الأفلام التي تحتوي مشاهد غير ملائمة لأعمارهم كالعنف والجنس والرعب. إنها لمفارقة حين يشارك الأطفال في أفلام غير مناسبة للأطفال، وتقدم للجمهور وفق إرشاد عائلي يحدد السن الأدنى لمن يستطيع المشاهدة. ولكن هل هذا يعني أن الأطفال الذين شاركوا في تمثيل أدوار البطولة في هذه الأفلام ذات المحتوى الجنسي أو المرعب لم يشاهدوا أفلامهم قط كما عرضت على الشاشة بحلتها النهائية!
من خلال المشاركة في صناعة موجهة للبالغين، غالبًا ما يتعرض الأطفال لمخاطر غير ملائمة ومسببة للقلق وأحيانًا مخاطر وحالات عملية خطيرة. قد تكون العديد من هذه المشاكل متأصلة وعامة في الصناعة السينمائية والفنية بشكل عام، ولكن لا ينبغي أن يتوقع من الأطفال، على عكس نظرائهم البالغين، التعامل مع الضغوط العاطفية والجسدية.
فهل يحاول المخرجون وشركات الإنتاج العمل على عدم تعريض الأطفال لهكذا محتوى عبر إيجاد بدائل كالمونتاج والغرافيك ديزاين وخدع التصوير وغيرها من الأساليب مثل تغطية المناطق الحساسة في الجسم أو تصوير لقطات متعددة من زوايا مختلفة أو تصوير لقطات أحادية للطفل ثم للوحش ثم الجمع بينها بواسطة المونتاج أو عبر استخدام الدمى والروبوتات كما في فيلم “تشاكي” والرسوم المتحركة وتقنيات ثلاثية الأبعاد وغيرها من التقنيات التي تضم عناصر مهمة كالموسيقى والألوان والمؤثرات الصوتية والظلال والظلام وعنصر الصمت والمفاجئة. وكلها تقنيات يتم تحضيرها بشكل مستقل في كثير من الأحيان، أو ربما تبدو بالنسبة للطفل الممثل وكأنها مجرد ألعاب للتسلية.
عادة ما يحتوي الفيلم على مضمون لفظي غير مناسب ومشهديات متطرفة كالتعذيب والقتل والعنف والأشكال المرعبة ومشاهد العري والجنس. لذا فالأهم دومًا هو إيجاد بيئة عمل سينمائية سليمة للأطفال. وعبر إلقاء نظرة على كيفية صناعة أفلام الرعب من خلف الكواليس نكتشف الخدع السينمائية المبتكرة والمبدعة في إنجاز هكذا أعمال بدقة واحترافية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، استخدام صوت مضغ الخس لإصدار صوت الوحش في فيلم A Quiet place. وفي فيلم Hound dog قامت “داكوتا فانينغ” البالغة من العمر 12عامًا بأداء مشهد اغتصاب، ولم يكن يوجد عري في المشهد، وتخلله إضاءة غامقة للغاية ولم يظهر سوى وجهها ويدها.
وهناك وجهة نظر تشير إلى أن الوحوش وغيرها من الأشياء المزيفة تمامًا تبدو في كثير من الأحيان وهمية ومضحكة في الحياة الحقيقية. مجرد التفكير في ما يبدو عليه قناع شيطان في متجر للأزياء أو كيف تبدو وحوش الأفلام في الحياة الواقعية. هذه الشخصيات المرعبة تصبح مخيفة فقط على الشاشة بسبب الإضاءة والحركة والمؤثرات الصوتية، لكنها في الحقيقة ثابتة جامدة للغاية أو تعمل من قبل فنان مختص بتحريكها مما يجعلها غير قابلة للتصديق في نظر الأطفال.
فالمواقف تكون عمومًا “مخيفة” فقط عندما يتقمص الأطفال شخصياتهم ويبدأون في أداء أدوارهم. وفقط عندما يندمج الطفل الممثل في دوره، يبدأ بالتصرف كما لو كان يشعر بالألم والخوف والرعب وما إلى ذلك. وهنا تكمن الصعوبة بسبب الاستراحات العديدة وإعادة المشاهد وتكرارها وبالتالي تكرار الخروج والدخول من وإلى الشخصية، فتصبح إعادة تمثيل انفعالات الخوف والرعب أصعب.
مع العلم أن طاقم العمل يحيط بالأطفال الممثلين من كل جانب فلا يكون هناك مجال لأخذ الأمور بجدية من قبل الأطفال أو توهم أن ما يرونه حقيقيًا، لا بل يصبح الوحش مثيرًا للسخرية والسخافة والضحك. يقال أن المخرج ستانلي كيوبريك حريص على الأطفال أثناء التصوير، ففي فيلم “The shining” لم يكتشف الطفل الذي لعب دوره داني لويد أن دوره كان في فيلم رعب إلا حين شاهد الفيلم حين بلغ 17 عامًا.
ويلعب الأهل دورًا هامًا في إشراك أطفالهم في التمثيل خاصة حين تكون القوانين ضبابية والمشاهد السينمائية تتطلب نوعًا من اللعن أو تأدية أفعال كالطعن والقتل والصراخ والبكاء وخلع الملابس والتقبيل وغيرها. وهنا يكون على الأهل قراءة النص والسيناريو بتمعن والنقاش حوله مع المنتجين أو مخرج العمل السينمائي.
فيما يقوم بعض المخرجين أو القيمين على الفيلم ومسؤولي طاقم العمل باللعب مع الأطفال وشرح المشهد لهم وحثهم على لمس الشخصيات المخيفة وإخبارهم بأنها مجرد ألعاب وليست حقيقية. فيمكن دومًا تحوير المسائل لتطمين الطفل كأن نظهر له بأن الدماء ليست دماء حقيقية وإنما هي عبارة عن عصير مثلًا.
لكن يبقى رأي الطفل هو الفيصل في القضية فإذا لم يرغب بتأدية مشهد ما فلا يجب إجباره. ويجب على الأهل أن يكونوا قادرين على الثقة في أن طفلهم لن يحصل على المتعة من العنف واستثارة فكره ونفسيته نحو الجريمة. هذا هو ربما أحد أوجه الخطورة في استخدام الأطفال في الإنتاج السينمائي. لذا فالحوار وطرح الأسئلة والإجابة عن استفسارات الأطفال الممثلين وأخذ هواجسهم في الاعتبار هو أمر حيوي جدًا.
في فيلم The Tale الذي يروي سيرة حياة جينيفر فوكس وقصتها أثناء تعرضها للتحرش الجنسي على يد مدربها الرياضي (30 سنة) وهي تبلغ من العمر 13 سنة، نجدهما في أحد المشاهد مستلقيان على السرير عاريان، فيما يحاول المدرب إختراقها وفض عذريتها، ومن ثم يتبعها عدة لقطات جنسية. في هذا الفيلم نكتشف أن الممثلين لم يكونا مستلقيان بل كان السرير مثبتًا بشكل عامودي فيما الممثلة الطفلة واقفة. ومن ثم تم الاستعاضة بممثلة أخرى لالتقاط المشاهد الجسدية، وفي العديد من اللقطات كان الممثل المتحرش يؤدي دوره وحيدًا. فيما كان يتابع التصوير والدة الطفلة الممثلة وأخصائي نفسي والمدرس الخاص بها ومسؤولة الحماية الاجتماعية.
لكن هل يعفي ذلك من قيام انتهاكات للطفولة في بعض المشاهد الحميمية؟ طبعًا هناك دومًا مشاهد متطرفة وانزلاقات عن الحدود القانونية أو الأخلاقية فيما خص عدم تعريض الطفولة لهكذا انتهاكات. نجد أن الممثلة ناتالي بورتمان كانت تبلغ 12 سنة حين أدت دورها الجميل في فيلم “ليون المحترف” وتخلل الفيلم مشاهد كالقبل والقتل وإطلاق النار والتدخين وغيرها. وأما جودي فوستر في فيلم “تاكسي درايفر” فقد أدت دور عاهرة وهي تبلغ من العمر 12 سنة فقط. وأما الطفلة الممثلة بروكي شيلدز فكانت تبلغ من العمر 11 سنة وتم التقاط صور لها وهي عارية كليًا مما أثار جدلًا واسعًا يومها. وأيضًا الطفلة الممثلة دومينيك سواين وكان عمرها 14 سنة حين أدت دورها في فيلم “لوليتا”.
فهل يعني ذلك أن المشاعر والانفعالات ليست حقيقية؟ لا يمكن القول بذلك، لأن التمثيل في أساسه يعتمد على المشاعر والانفعالات التي يخلقها ويتفاعل فيها الممثل مع غيره من الممثلين وفي تأدية دوره، وهذه المشاعر والانفعالات هي بالتحديد ما يجعل العمل ناجحًا لأنها هي التي تصل إلى الجمهور، فإن كانت مزيفة أو لم يؤديها الممثلون بشكل صادق فإنها لن تصل إلى المشاهدين. والمخرجون يعلمون ذلك بالتأكيد، لذلك يكون التفاهم مع الطفل وأهله ودراسة مدى قدراته على التحمل واختبار هكذا مشاعر وانفعالات وأداء دوره كما هو مطلوب.
هناك مبادئ توجيهية لتحديد المعايير المتعلقة بالعمر لمشاركة الأطفال في البرامج التلفزيونية من أجل ضمان الظروف المادية المحيطة بالعمل وتأمين سلامتهم الجسدية والمعنوية، وكذلك إنشاء آليات تنظيمية ورقابية وضمان تعليم الأطفال المشاركين وعدم تسربهم من الدراسة. وتخضع هذه المعايير عادة لقوانين العمل حسب كل بلد.
ويجب أن نتذكر أن الأطفال بشكل عام لا ينضمون إلى هذه الصناعة بمحض إرادتهم. هناك دائمًا شخص بالغ معني، أحد الوالدين أو القائم بالرعاية، يتخذ القرار نيابة عنهم. في غياب أي آلية مراقبة، هناك احتمال كبير أن يتم استغلال الأطفال الفاعلين عندما يتعلق الأمر بعدد ساعات العمل في اليوم، وطبيعة العمل وغيرها من العناصر والشروط التي ربما تنتهك حقوق الطفل.
ففي المقدمة يجب أن يوافق الطفل على العمل وتكون لديه رغبة في ذلك وبإرادته الحرة دون أي ضغط أو إكراه وحتى لو تحجج البعض بأنه طفل لا يملك إرادة مستقلة أو غير قادر على تكوين رأي خاص حيث لا يعتد بهذه المقولة ويجب أن يكون رأي الطفل ملزمًا في القضية. ومن ثم يتم الحصول على إذن قضائي أو من السلطات المختصة لمشاركة الأطفال في الأعمال السينمائية.
من الواجب كذلك تقديم قائمة بالأطفال المشاركين في العمل، وموافقة الوالدين أو الوصي، وتحديد اسم المنتج وشركة أو شركات الإنتاج المسؤولة أمام القانون عن سلامة وأمن الطفل. واتخاذ جميع التدابير لضمان عدم حدوث إساءة أو إهمال أو استغلال لهذا الطفل قبل وأثناء وبعد المشاركة في العمل. والتأكد من أن الطفل لم يتخلف عن متابعة تعليمه وتحصيله الدراسي في المدرسة. وتحديد عدد ساعات العمل وأيام العمل المتواصلة للأطفال مع تحديد ساعات وأيام الراحة. وتوظيف شخص يتولى مسؤولية رعاية الأطفال أثناء العمل على أن يحدد موظف واحد لكل خمسة أطفال في العمل.
كما يجب أن تستوجب القوانين تحديد مكان التصوير وتختلف هذه القوانين بحسب الفئة العمرية للطفل حيث لكل مرحلة عمرية قوانين موجبة خاصة تستوجب الأخذ بعين الاعتبار القدرات والإمكانيات للطفل الممثل. على سبيل المثال، إذا كان الطفل عمره أقل من شهر يستوجب حصوله على إفادة طبية تثبت صحته وعافيته وإمكانيات مشاركته في العمل السينمائي وحدوده مع ذكر كافة تفاصيل العمل، بينما إذا كان عمره لا يتجاوز الأسبوعين فيمنع من إشراكه في أي عمل فني، ودائمًا بحسب قوانين كل دولة.
بينما يجدر الانتباه إلى أن انخراط الأطفال في الأعمال السينمائية قد يؤدي إلى تدميرهم عاطفيًا وتشويه نقاوتهم وبراءتهم. فهناك ضغط كبير يترافق مع حملات تسويقية ضخمة لا يكون الطفل مؤهلًا على الصعيد العاطفي والعقلي لتحملها والتعامل معها. إن انخراطهم في هذه الأعمال في أعمار مبكرة يحرمهم، أو على الأقل، يقف عائقًا أمام عيشهم طفولتهم بشكل طبيعي. ويشير علماء النفس إلى أن تعرض الأطفال للأضواء وللشهرة ثم الحرمان النهائي من هذا الاهتمام والحفاوة يمكن أن يكون له تأثير خطير على الصحة العقلية.
التمثيل مهنة صعبة والإنتاج السينمائي عملية معقدة ودقيقة جدًا وتتطلب التكيف مع أوضاع صعبة، لكن تجدر الإشارة إلى أن العديد من الممثلين الصغار نالوا ترشيحات وجوائز لأدائهم أدوار محترفة من أهم المهرجانات السينمائية وأصبحوا اليوم من أهم الممثلين حول العالم.
Leave A Comment