تتفاخر بعض النساء، وخاصة بعض المثقفات منهن، بأنهن لسن نسويات (أو فيمينيست)، وكأن النسوية مرض يسبب الحكة ويبعد عنك الناس، ويعلنّ “بقرف” أمام المجتمع: “لست نسوية!”، أي لا أقصد إهانة الرجال وإبعادهم عني.
تتشابه هذه الحالة مع تسخيف بعض الرجال للنسوية ونكرانهم لها، وكأنهم يخشون من تسلط تلك النسوية (الوحشية) على ذكوريتهم الفحلة والأصلية، التي تبدو قادمة من متخيل عن الرجل في العصر الحجري: الصياد ذو الطبيعة الصلفة، القادر على الصيد والنكاح، ويريد أن يعيش حياته دون مسؤولية أو عاطفة، وكأن “الطبيعة” خلقته بهذا الشكل. هذا المتخيل مستوحى من القصص الملحمية التي تتحدث عن الرجل القوي، الذي يقول ما يفعل، ولا يمكن لـ”امرأة” أن تقف في وجهه، لأنها أصلاً ليست من نفس الطبقة، كما قالت سيمون دي بوفوار: “ليس هناك أكثر غطرسة تجاه النساء، أكثر عدوانية أو ازدراء، من رجل قلق على رجولته”.
يبدو هذا “التصريح”، إن كان من النساء أو الرجال، نابعاً من عدد من الموروثات الشعبية، ومن جهل خالص بالنسوية والصراع النسوي، إذ تجد بعض النساء خلال اللقاءات الاجتماعية، يشكين همومهن في العمل، وأسلوب تعامل الرجال معهن، إذ تقول (ع. ر) موظفة ثلاثينية تعيش “بلا سند!”: “لا يمكنني تصديق هؤلاء الرجال الذين يتعاملون معنا وكأنهم يملكوننا، وكأننا أقل قدراً وذكاء منهم، أرفض هذا التصرف، ولكني بالطبع لست نسوية، وأريد التنويه، أنا أتحدث عن الرجال بهذه الطريقة لأنهم يعاملوننا دون احترام فقط”.
يجدر القول إن الكثير من النساء يخفن من اعتبارهن نسويات، كي لا يكرههن الرجال/البعول/ المعارف/المدراء، الخوف من ابتعاد الرجال عنهن، وإبعادهن عن المتعة والأمان والاستقرار، يجبرهن على قول كلمات مؤذية لأنوثتهن ولأدوارهنّ، “بالطبع لست نسوية”، وكأنها تقول: لن أكفر.
كأن النسوية تهدف إلى كراهية الرجال وإبعادهن عن النساء، أو تكفير النساء والرجال، لا بل تبدو النسوية للبعض كمخلوق بشع، لا يمكنه أن يتلقى الإعجاب من الرجال: وحش صغير دون خصائص جسدية مغرية ودون ذوق، وحش ذو صوت عال وشعر كثيف يغطي جسده كاملاً، وكأن صاحبات أول حركة نسائية في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، طالبن بالعمل والدراسة وحق التصويت بدافع الكراهية فقط، أو أن عاملات المصانع الأمريكيات خلال الحربين في القرن العشرين، عملن مكرهات عوضاً عن أزواجهن، ولم يكن ينتظرن بفارغ الصبر العودة إلى السرير مع أزواجهن التائهين في الحروب والمآسي.
عبارات كراهية الرجال الصريحة
لم تبدأ عبارات كراهية الرجال الصريحة بالظهور إلا في الستينيات، مع الموجة الثانية من النسوية كما تسمى، وهذا ما نلاحظه مثلاً في “مانفيستو القذارة-1967” لفاليري سولانس، في تلك الحقبة بدأت الناشطات النسويات بالتحدث عن تحرر الجسد وعتقه من تسلط الرجل في العمل والمنزل، إلى جانب التخلص من ألبسة النساء المعقدة، الكورسيه والمكياج والاستعداد التام قبل استيقاظ الرجل من نومه، وتحرير الجسد من الإجراءات الطويلة التي فرضت على المرأة لتكون جاهزة لمتعة وراحة الرجل، وكي تكون أيضاً الزوجة الصالحة الحاضرة في متناول اليد، حرفياً ومجازياً.
كان من الضروري إبعاد الرجل وقتله رمزياً، والبدء باتهامه واستعادة المرأة لملكية جسدها، إذ ظهرت النساء بشعور أجسادهن كاملة، واستعرضن أجسادهن المتعبة وألبستهن غير المنمقة، أي “الافتخار” بالجسد دون أي إضافات أو إزالات.
قامت الحركة النسوية، أو الحركات النسوية المتعددة، بالكثير من أجل المرأة خلال عقود نضالها، ولهذا من المفترض على النساء على الأقل تقدير جهد ودماء وعرق تلك النسويات، يحق للمرأة حالياً العمل وبعدد ساعات تماثل عدد ساعات الرجال ولا تزيد عنها، بفضل الحراك النسوي، ويحق للمرأة أن تلبس البنطال أو لا تلبسه، وأن تلبس الحجاب أو لا تلبسه، بسبب صراع النسوية، يمكن للمرأة أن تصوت في أنحاء العالم وأن تجهض في بلدان معينة بفضل صراع النسوية، يمكن للمرأة أن تحصل على أجر من عملها، وألا تضرب وألا تنهب وتسبى في عملها بفضل هذا المفهوم.
تمكنت المرأة من الحصول على قدر من الكرامة والفخر، بفضل تلك النسويات اللاتي دفعن أثماناً غالية لتغيير السياسات من أجل كل امرأة، والحصول على الدعم والمساعدة من قبل المؤسسات المختلفة، وأن يقف القانون بجانبها أحياناً بفضل النضال النسوي، لا يمكن اعتبار هذا الأمر إلا كرماً كبيراً، ومن السذاجة القول إن تطور المجتمع حدث بسبب تغير الزمان وكثرة الأعوام وامتيازات بعض النساء، فما اكتسبناه الآن لم يكن مجانياً، وبفضل جهود أولئك النسويات، يحق للمرأة الهيام والإبداع، بل والتأفف علناً من سطوة الرجال.
الصراع النسوي اقتصادي في جوهره
كيف يمكن لامرأة أن تكره النسوية وتعتبرها نوعاً من التسلط على المجتمع، فلم تتمكن من الحصول على خدمة جيدة خلال الولادة والحمل إلا بسبب صراع النسوية، ولم تتمكن من الحصول على احترام الرجل إلا بفضل الحركة النسوية، بل أن ألمها ذاته لم يكن لينال الاعتراف لولا صراع النسويات.
الصراع النسوي اقتصادي في جوهره، بدأته المثقفات والعاملات في المصانع في الولايات المتحدة للمطالبة بحقوقهن في العمل خلال ساعات معينة، والحصول على أجرة مقبولة، لأنهن اضطررن إلى أخذ مكان الرجال الغائبين، إما في الحروب أو بسبب البطالة التي فرضت عليهم، وكانت المطالبة الرئيسية تتعلق بحق التصويت، فيما سمي لاحقاً باتفاقية “شلالات سيليكا”، أرادت النساء اللواتي شغلن آلات ضخمة بسواعدهن، الحصول على تقدير بسيط جراء جهدهن واستلام زمام المبادرة، واعتبارهن كالرجال، فاعلات في المجتمع، سواء داخل المنزل أو خارجه، والحصول على حق الامتلاك والمفاوضات واتخاذ القرار كالرجال، والأهم، ألا يعتبر الاهتمام بالمنزل والأطفال عملاً مجانياً.
هكذا بدأ النضال النسوي: إن كنتِ موظفة تشعرين بالضيق بسبب الرجال، تذكري أنك قادرة على تغيير هذا الواقع لأنك قطفت ثمار النضال النسوي، تذكري مظاهرات النساء وضرب الشرطة لهن، تذكري الحصول على حق التصويت، وحق الإجهاض وحق الحياة والعمل والجلوس والحديث، تذكري أن كل ما تفعلينه كان بفضل امرأة قررت الصراخ وتحدي الرجال أمامها.
Leave A Comment