تحتضن لبنان قرابة 1.7 مليون لاجئ من فلسطين وسوريا والعراق وأثيوبيا وغيرها من الدول، يعيش بعضهم في مخيمات اللجوء مثل الفلسطينيين والسوريين، والبعض الآخر يعيش متفرقاً في المناطق الحضرية للمدن اللبنانية.
من بين هؤلاء اللاجئين هناك العديد من الصحفيين الذين إما مارسوا مهنة الصحافة قبل أن يصبحوا لاجئين، أو انخرطوا في المهنة في لبنان، لكنهم يعانون من ظروف قانونية وتنظيمية صعبة، ويخاطرون فيها كثيراً بهدف البقاء ضمن مزاولة مهنة الصحافة.
لا توجد إحصائيات رسمية أو تقديرية لعدد ممتهني الصحافة بين اللاجئين، ولا توجد مؤسسات حقوقية معنية بشكل خاص بمتابعة قضاياهم، الأمر الذي قد يعطي تصوّراً حول مدى تواجد هؤلاء الصحفيين خارج حسابات الحقوق المهنية والعمالية.
صحافيون تحت عصا السلطة
يعمل الصحافيون اللاجئون في لبنان بشكل أساسي على سد الثغرة التي خلقها غياب التغطية الصحفية لوسائل الإعلام المحلية لقضايا اللاجئين، حيث يقومون بممارسة المهنة من جمع المعلومات ونقلها وتبادل الخبرات فيما بينهم، متكيفين مع الظروف الجديدة للعمل الصحفي في بلاد اللجوء، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي الملجأ الجديد لهذا التكيف بالنسبة للكثير منهم، بالإضافة إلى عدد من المنصات الإعلامية والمدونات، لكن عملهم بقي طوال الوقت محفوفاً بالكثير من المخاطر التي تنوعت بين التهديد والتوقيف والمحاكمة.
وتنوعت الانتهاكات التي عانى منها الصحفيين اللاجئين في لبنان، أحد الصحفيين الذين تعرضوا لانتهاكات يدعى عبد الحفيظ الحولاني، حيث جرى توقيفه ثلاثة مرات متتالية إثر نشاطه الصحفي في مخيم عرسال للاجئين السوريين، كما رفضت وزارة الإعلام اللبنانية ترخيص الموقع الذي يعمل فيه.
وإلى جانب الجولاني، واجهت الصحفية المستقلة تهاني –اسم مستعار- العديد من المشاكل فيما يتعلق بتجديد إقامتها رغم أنها تقيم في لبنان نظامياً كون والدتها لبنانية الجنسية، حيث جرى منحها إقامة لمدة عام واحد بدلاً من ثلاثة أعوام بسبب نشاطها الصحفي، حسب قولها.
ووصفت تهاني تجربتها بانها مثقلة بالمشاكل، في حين لم تكن المشكلة الأساسية أن المواضيع التي يمكن للصحفيين أن يتطرقوا لها محدودة بسبب انخفاض سقف الحرية بالنسبة لهم، بل في فرض قيود حتى على الطموح الصحفي أيضاً بسبب اللجوء، مضيفة: “حتى تجوالي إلى مناطق معينة هو صعب وضيق، بسبب قلة الموارد المالية لتغيطة المواضيع الخاصة بقضايا اللاجئين وصعوبة التنقل بين الحدود الداخلية بسبب التهديدات الرسمية”.
وتعرّضت تهاني للكثير من الضغوطات خلال نشاطها الصحفي، كان آخرها تعرّضها للتهديد برفع قضية أمام المحاكم اللبنانية خلال محاولتها إنجاز تقرير حول أزمة فيروس كورونا في مخيمات اللاجئين، وهنا دفعها الخوف على عائلتتها ونفسها بالتوقف عن إنجاز التقرير.
وأثرت الاحتجاجات الأخيرة في لبنان على تعامل السلطات مع اللاجئين الصحفيين، فالصحفي السوري أحمد القصير وعلى الرغم من اعتقاله عام 2014 بتهم متعلقة بالإرهاب ومن ثم الإفراج عنه بعد 13 يوماً من التوقيف، إلا انه لم يطلب منه حينها التوقف عن تغطية الشأن اللبناني.
ولكن القصير واجه تجربة مختلفة بعد الاحتجاجات حيث أجبرته السلطات أن يوقع تعهداً خطّياً بوقف عمله في التصوير ضمن ساحة النور في مدينة طرابلس شمال لبنان، بالإضافة إلى التعهد بالتوقف عن تغطية الشأن اللبناني الداخلي.
ولا تختلف قصّة الصحفي اليمني (ش.ع) والذي رفض نشر اسمه كاملاً لأسباب أمنية عن قصص بقية اللاجئين الصحفيين في لبنان، حيث تعرّض للاعتقال بسبب ممارسته لمهنة الصحافة في لبنان خلال عمله في مؤسسة إعلامية يمنية مقرها بيروت.
ولأنه مقيم في لبنان كلاجئ ولديه إقامة طالب، فيمنع النظام اللبناني عليه العمل، وحين تم اعتقاله بقي موقوفاً لعدّة أيام حتى تدخلت إدارة المؤسسة لدى الأمن اللبناني لللإفراج عنه.
العمل خارج إطار التنظيم النقابي
تفرض المادة العاشرة من قانون المطبوعات اللبناني لعام 1962 شرط الجنسية اللبنانية على من يرغب أن يكون صحفياً، وتسمح المادة (90) من ذات القانون للأجنبي أن يمارس التحرير دون الانتساب للنقابة وله الحق ببطاقة محرر صحفي بشرطيين أساسسين، وهما أن يكون مأذوناً له للإقامة والعمل بلبنان، وأن تكون قاعدة المقابلة بالمثل مطبقة بين بلده وبين لبنان.
على الصعيد العملي بالنسبة للاجئين فإن هذه الشروط تكاد تكون مستحيلة لهم، مما يعني أن الحصول على غطاء قانوني يصبح أقرب للحلم.
بهدف الحصول على أي غطاء قانوني للعمل الصحفي، اضطر الصحفي الذي يعمل في المنصة الإعلامية الشبابية ناستوبيا نصار طنجي للتسجيل في نقابة الفنيين السنمائيين في لبنان كي يتاح له الحصول على بطاقة مصور، وبالنسبة له فأن نشاطه يعتمد على علاقاته الشخصية و الاستعانة بصحفيين لبنانين، ومن مثل نصار فلا يعتبرون من الموظفين الرسميين بالشكل الكامل فليسوا بعاملين بالإذاعة التلفزيونية إنما يعتمدون على العمل الحر في المواقع الإلكترونية.
ولم يحاول نصّار أن يقابل شخصية لبنانية لغايات صحفية إلا مرة واحدة، ليدرك وقتها أن مقابلة شخصية لبنانية أقرب إلى الحلم وصعب المنال.
وعلى المستوى المالي، فإن من هم مثل نصّار يضطرون للعمل لدى أكثر من جهة صحفية ليتمكن من تجميع مبالغ مالية كافية لتغطية تكاليف معيشته.
ويصرّ نصّار على أن يصف نفسه بصحفي فلسطيني وأن عيبّر عن نفسه دون اللجوء إلى انتحال شخصية أو حتى طرق غير نظامية بالرغم من ضيق المساحة التي يمكن للصحفي اللاجئ أن يتحرك فيها مهنياً.
أما الصحفي الفليسطيني أنيس محسن فهو يمارس مهنة الصحافة ضمن مؤسسة الدراسات الفليسطينية المرخصة رسمياً في لبنان، لكنه يحمل إجازة مهنية كإداري في المؤسسة وليس كصحفي، حيث يحصل للفلسطينيين على إعفاء من رسوم إجازة العمل وشرط المعاملة بالمثل، لكن لا يمكنه التسجيل في الضمان الاجتماعي مما يحرمه عدداً من الحقوق منها التأمين الصحي.
وحسب محسن فإن نقابات أخرى لا تشترط الجنسية اللبنانية على منتسبيها، مثل نقابات الفنانين والموسيقين والفنيين السينمائين.
صحافة منتهكة من الجميع
لكن قضية حرية النشاط الصحفي في لبنان ليست محصورة بالانتساب للنقابة أو تضييق السلطات الأمنية على الصحفيين، حيث تبرز مشكلة اللجان الأمنية الخاصة داخل المخيمات نفسها، والتي تفرض قيودها الخاصة على العمل الصحفي داخل المخيمات.
الصحفية اللبنانية مريم سيف الدين ترى أن الصعوبات في العمل الصحفي للصحفيين اللبنانيين كبيرة بسبب صعوبة تركيبة لبنان من الناحية الحزبية والطائفية والاعتبارات السياسية لذلك تكون هذه الصعوبات مركبة وأشد حدة للصحفي اللاجئ.
ويحتل لبنان المرتبة 102 في مؤشر حرية الصحافة العالمية لعام 2020، ويصف تقرير المؤشر حالة الصحافة في لبنان بانها “مسيَّسة للغاية ومستقطبة إلى حد بعيد، إذ تُعتبر الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية أدوات دعاية لبعض الأحزاب السياسية أو رجال الأعمال”، ويضيف التقرير أن أن قضية اللاجئين السوريين تتخذ طابعاً حساساً للغاية في الإعلام اللبناني.
ويرى المحامي نادر حلبي أن الصعوبات التي يواجهها الصحفيين اللاجئين ترقى لتكون انتهاكات للقوانين الدولية، حيث نصت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه :(لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود والجغرافية).
وفي إعلان يونسيكو لعام(1978) تنص المادة الثانية منه على أن الإعلام جزء من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وعلى الرغم من ان الدستور اللبناني يكفل هذه الحريات لمواطني الدولة، إلا انه لم يضمن الحقوق لجميع المقيمين على أراضيه.
وفي ظل عدم وجود تغطية كافية مهنية وموضوعية لقضايا اللاجئين من قلب مخيمات اللجوء، فإن الكثير من الانتهاكات والظروف الصعبة ستبقى أمراً مسكوتاً عنه وقضايا بعيدة عن دائرة البحث عن الحلول.
Leave A Comment