نعيش في هذا الوقت مرحلة من التحدّي والمواجهة مع وباء عالمي يؤثر علينا جميعًا لسرعة انتشاره وتهديده لفئات كبيرة في المجتمع مثل كبار السن وضعفاء المناعة. ومع كلّ التهديد والضرر الذي يقف أمام الجميع، إلا أن لهذا الوباء تأثيرًا وعواقب قد تكون خاصة علينا كمثليات/ين وثنائيات/ثنائيي الميل الجنسي وأشخاص ترانس وأشخاص نعيش توجهات جنسية وجندية مختلفة. لا شكّ أننا نمرّ بصعوبات وأسئلة خاصّة بنا تجعل من هذا الوباء أشدّ قسوة.
عزلة على عزلة
يفرض المجتمع في معظم الأحيان حالة من العزلة والإقصاء على أشخاص يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة، تجعل الكثير من المساحات التي يفترض أن تكون آمنة ومريحة، مصدرًا للقلق والضغط والعنف. وفي ظلّ وضع كالذي نعيشه، تتعزز هذه الحالة وتصعّب علينا إيجاد منفس للراحة والأمان.
في الوقت الذي قد تشكّل فيه اللقاءات العائليّة مصدرًا للبهجة والدعم والطمأنينة للبعض، يمكن أن تشكّل لفئات أخرى مستضعفة كالنساء، والمثليات/ين، وأشخاص ترانس، وغيرهنّ/م مصدرًا للعنف وانعدام الخصوصيّة والمساحة الشخصيّة؛ خاصّة مع شبه انعدام المتنفّسات التي نعتمدها عادةً مثل الوجود في سكن الجامعة، أو مع الأصدقاء وفي أماكن الترفيه أو أي مكان بعيدًا عن الضغط العائلي.
ليس الأشخاص الذين يعيشون بشكل مستقل أو فردي بعيدين عن الأثر القاسي لحالة الحجر هذه، لما قد تنتجه أو تعززه من مشاعر بالوحدة والخوف والحاجة إلى التواصل. هؤلاء الأشخاص هم من لفظتهم المنظومة العائلية أو المجتمعية ووضعتهم في عزلة زاد من قسوتها الوباء المستجدّ.
أجساد أكثر تأثرًا
يكثر الحديث هذه الأيّام حول المناعة الجسديّة وتفاوتها بين الأجساد المختلفة، فيما يتعلق بقدرة أجساد معيّنة على تحمّل الفيروس أكثر من غيرها. وفق ذلك، يغدو أشخاص معيّنين أكثر عرضة لمضاعفات هذا الفيروس من غيرهم، والأهمّ أنهم يُحاطوا بدائرة من الرفض والوصمة المجتمعيّة التي تصعّب الحالة.
منّا المتعايش مع متلازمة نقص المناعة المكتسبة AIDS، أو الأشخاص المدخّنين بشكل مزمن، وغيرها من الصعوبات والعادات الصحيّة/غير الصحيّة التي لا بدّ من الانتباه لها، والتفكير بعنوان للدعم والتواصل حولها.
ندرك أن المنظومة الطبية لطالما كانت مصدرًا للخجل والخوف والتهديد لنا كأشخاص نعيش توجهات جنسية وجندرية مختلفة، سواء بسبب تجارب سلبية سابقة أو الخوف من كشف أمور خصوصيّة، على الرغم ممّا سبق، علينا أن نجد عناوين طبيّة موثوقة للتأكّد من وضعنا الصحّي عند الحاجة، ولا بدّ لنا أن نخلق بشكل موازي لبعضنا شبكة من الثقة والأمان حول هذه القضايا.
فيروس يزيدنا إفقارًا
من البديهي أننا كنساء وأشخاص بتعبيرات جندرية مختلفة تخرج عما هو مهيمن في المجتمع نعيش دائرة من الإفقار الممنهج كجزء من حالة العنف المجتمعي التي نعيشها، تضاعفها السياسات الاستعمارية والمنطومة الاقتصاديّة المتوحّشة التي نعيش فيها. تزيد تبعيات الوباء في الفترة الأخيرة -من إغلاق أماكن عمل وتسريح موظّفات/ين وضعف اقتصادي عام- من الحالة التي نعيشها بطبيعة الحال، وتضعنا في دوائر من العنف والخطر المضاعف مقارنةً بأشخاص مع امتيازات معيّنة.
فلنشكّل في هذا الوضع أطر من التكافل الاقتصادي الجمعي، خاصّة للأشخاص الأكثر تضررًا وعزلة، نحتضن وندعم بعضنا البعض بكل الحب.
محاربة للوباء أم لخصوصتينا؟
تضع النقاط السابقة -من الحجر البيتي والفحوص الطبية والاعتمادية الاقتصادية- خصوصيتنا تحت دائرة الرقابة والاخضاع، ومما يزيد الامر سوءًا التوجهات الأخيرة نحو تتبع الأشخاص المشكوك في إصابتهم ومساراتهم وتفاعلاتهم الاجتماعية.
قد تساهم هذه السياسات التي تتبعها دول مختلفة في احتواء الوباء ومنع تفشيه. إلّا أن اختراقها لخصوصيتنا يضع حياتنا السياسية او العاطفية أو الجنسية تحت أعين الرقيب. من الحري بنا، سواء اعتبارًا لهذه السياسات أو دونها، أخذ الحيطة والحذر من اللقاءات الاجتماعية أو التجمعات والوعي للاعتبارات الصحية في العلاقات العاطفية والجنسية التي ننخرط فيها، وذلك من باب المسؤولية والحرص وليس الانصياع لسياسات الرقابة.
الحديث حول تأثير مختلف أو أكبر للوباء على النساء أو الأشخاص الذين يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة أو أيٍّ كان من الفئات المستضعفة مجتمعيًا، لا يعني أننا أقلّ قدرة على مواجة هذا التحدّي الإنساني الكبير، بكلّ ما فينا من قوّة وإصرار وتضامن جمعي.
اعتنوا بأنفسكن/م وبمن حولكن/م، ولنتجاوز هذه المحنة سويًا.
Leave A Comment