يشهد المجتمع اللبناني تغيّرات إجتماعية كثيرة كان لها تاثيراً كبيراً في أسلوب وظروف عيش النساء فيه واحتياجاتهنّ، ما يتطلب تعديلاً في القوانين لمواكبة هذه التغيرات.
ومن المطالب التي بدأت تظهر، دون جرأة واضحة بالمناداة بها، هي حق المرأة العزباء بالأمومة، وإزالة أو تعديل جميع القوانين التي تشكل عائقاً أمام تحصيل هذا الحق، في ظل تأخر سنّ الزواج أو عدم رغبة المرأة الإرتباط بشريك لا تراه مناسباً، أو رفضها الخضوع لقوانين الأحوال الشخصية الحالية.
يضاف إلى هذه الأسباب اضطرار المرأة للإجهاض بطرق غير آمنة للهرب من ضغوط المجتمع، رغم رغبتها أحياناً الاحتفاظ بالطفل. فتكون المفارقة بأن يدفع المجتمع الذي يحرِّم الإجهاض المرأة العزباء نحوَهُ، وإلاّ قتلها وقتلَ طفلها جسدياً أو بأساليب أخرى مختلفة من خلال تعامله معهما بقسوة.
من هنا تبرز حاجة النساء لقوانين تسمح للمرأة العزباء بالحصول على حقها بالامومة، وإزالة جميع العوائق التي تؤدي للتمييز ضدها وضد طفلها وتعرضهما لعنف قانوني، وهو ما يسهل أيضاً على النساء الناجيات من الإغتصاب أواللواتي حملن دون زواج الإحتفاظ بطفلهن وتربيته كإنسان يتمتع بكامل حقوقه حتى في ظل اختفاء والده أو رفضه الإعتراف بأبوته له.
في حديث إلى “شريكة ولكن” تقول جمانة مرعي، مديرة مكتب بيروت في المعهد العربي لحقوق الإنسان، إن الأمر في لبنان ما زال مرفوضاً ثقافياً واجتماعياً، وهو غير مطروح على العلن بعد، خاصة أن الوضع القانوني في لبنان ما زال متخلفاً والقوانين متهالكة ذكورية طائفية، وأن الطرح في صميم وجوهر قوانين الأحوال الشخصية.
تتساءل مرعي: “التمييز ضد المرأة المتزوجة قائم، فكيف سيرضى المجتمع بأن تكون أماً عزباء أنجبت طفلاً دون زواج وأن تربيه هي، قبل أن تنتقل الفكرة لتصبح مسألة الإعتراف فيها من وجهة نظر الحقوق الإجتماعية بالمجتمع باعتبار الأمومة وظيفة اجتماعية وليست وظيفة النساء”.
تؤكد مرعي أن رغبة المرأة العزباء بالأمومة حق أساسي من حقوق الإنسان. “والمعيار الوحيد الذي يحدد إن كان حق أم لا هو إن كان ينطبق على الرجال فيمكن له أن ينطبق على النساء”.
ووفق مرعي ففي كثير من الحالات يجب أن يتم التعاطي مع الموضوع لا كحق من حقوق الانسان. “ففي تونس والمغرب لم يأت التفكير بوضع قانون للأم العزباء من منطلق حقوقي، وإنما من منطلق وجود حاجة لدى النساء وعدد الأمهات العازبات، وتحديداً جراء رحيل الأب أو وعود بالزواج لا تتم، وحمل خارج إطار الزواج أو اغتصاب. وليس من الضروري أن يكون خياراً عند المرأة. وطالما هناك امراة واحدة عازبة لديها أطفال فيجب وضع قوانين وتشريعات تحميها”. لكن مرعي تلفت إلى أنه في البلدين المذكورين حصلت قفزة نوعية أسياسية وهي مجلة الأحوال الشخصية، حتى تمكن المعنيون من وضع القانون الذي ينظم حياة الأم العزباء.
تؤكد مرعي أن السياق الاجتماعي تبدل وأنّ الحاجة لقانون يسمح للمرأة العزباء بالأمومة أصبح موجوداً وأصبحت العديد من الفتيات يفكرن بهذا الاتجاه وهو حقهنّ. “لكن الإشكالية تكمن بين حق يقبل به المجتمع وحق يرفضه المجتمع. هناك احتياج في كل العالم لهذا القانون طالما هناك امرأة بحاجة له. غير أن الحركة النسائية في لبنان ما زالت عاجزة عن المطالبة بهذا النوع من القوانين”.
وفيما يمنع القانون اللبناني التبني، إلا للعائلة المسيحية، فإن المرأة اللبنانية ممنوعة من التبني حتى لو أن في ذلك مصلحة الطفل المتبنى في العيش مع والدة خارج ظروف المياتم القاسية. تقول رانيا حمزة أنها رغبت بأن تصبح أماً عزباء انطلاقاً من عدم إيمانها بمؤسسة الزواج بعد أن شاهدت في محيطها أمهات متزوجات شكلياً لكنهن فعلياً “عازبات” إذ تحملن بمفردهن مسؤولية أطفالهن كاملةً. وانطلاقا من رغبتها بالأمومة باعتبارها حقاً، حاولت تبني طفلة عثر عليها ووضعت في إحدى المستشفيات، فراجعت المعنيين لكنها لم تتمكن من تبنيها.
أما عن التفكير بالإنجاب دون زواج فترى بأنه خياراً غير متاح أمامها في لبنان. لأنها في هذه الحالة “ستسميه الدولة لقيطاً وسيتعذب طيلة حياته”، وتؤكد رغبتها في تحقيق الأمر في حال هاجرت.
تعبر لارا أيضاً عن رغبتها بالإنجاب وبأن تكون أماً عزباء، لكنها تؤكد بأنّها لن تقدم على هذه الخطوة في لبنان كونها غير ممكنة، وخوفاً من أحكام المجتمع القاسية بحق الأطفال الذين سيولدون بهذه الطريقة. وتعبر عن خوفها في حال قررت الإنجاب بالاتفاق مع رجل من أن لا يحمي القانون الأم في حال قرر الوالد أخذ أطفاله متى شاء.
وفيما يرفض البعض القانون بحجة مصلحة الطفل وحاجته لوجود صورة الأب في حياته، يقول علماء نفس أن بإمكان الطفل التماهي مع صورة رجل آخر كالخال أو الجد لبناء شخصيته. كما تشير وجهات نظر أخرى إلى أن التجربة والمشاكل الأسرية قد برهنت أن وجود الأب لا يعني بالضرورة نمواً سليماً للطفل.
Leave A Comment