لقد عرف التبني كنظام لدى الشعوب الغابرة منذ القدم، وتبنته العديد من الدول المعاصرة، ووضعت له آليات تنظمه. لكن بعض الدول حرمته أو منعته، وأكدت على أنه لا يرتب أي أثر أو حكم له.
وقد كان التبني معروفاً لدى العرب في جاهليتهم، فقد تبنى الرسول زيد بن حارثة، وكان يدعى زيد بن محمد، إلى أن حظرت الشريعة الإسلامية نظام التبني لقوله تعالى في صورة الأحزاب، (ما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فأخوانكم في الدين).
وللتوضيح أكثر لابد من شرح مفهوم التبني:
يعرف النبي بأنه اختلاف النسب وادعاؤه وإعطاء المتبني جميع الحقوق الثابتة للولد في النسب الحقيقي، أو بمعنى آخر التبني هو أخذ طفل مولود من أبوين مفقودين أو مجهولين، وإلحاقه بأبوين وهميين يعيش بينهما، وللتبني جانبان: الأول: شخصي، وهو أن المتبني يخلع على الطفل المتبنى اسمه، ويلحقه بنسبه. والثاني: موضوعي وهو تحقيق الرعاية للطفل المتبنى.
وتأتي الرؤية الدينية للتبني في الشرائع السماوية الثلاث إن كانت يهودية أو مسيحية أو مسلمة مختلفة الرأي لديها حول نظام التبني، إذ إن اليهودية لم تعرف نظام التبني ولم تقر به، وأجمع الفقهاء لديها على تحريمه لأنهم يرون أن التبني عبارة عن صورة افتراضية وليست حقيقة واقعية، فأي أسرة يهودية عندما تضم ابناً قاصراً، لا تسري عليه الحقوق المقررة للأبناء الشرعيين كالبنوة والحضانة والنفقة واللقب العائلي، كما أن هذا الضم لا يترتب عليه سبب التحريم في الزواج، ولا يترتب عليه الإقرار بالإرث، بل إن القاصر المحضون يبقى دائما أجنبياً عن الأسرة التي ضم إليها، فالشريعة اليهودية تولي اهتماماً فقط بحماية الأبناء القصر المهملين – ومجهولي النسب، وذلك بضمهم إلى أسرة معينة والقيام بتربيتهم ورعايتهم وتنشئتهم حصراً.
أما الديانة المسيحية فقد صدرت فيها مجموعة خاصة من الشرائع بالطائفة الكاثوليكية، وجاء في أحكامها بما يخص التبني الإحالة على القانون المدني في كل دولة توجد فيها الطائفة الكاثوليكية، وعليه فإنه كلما كان القانون المدني لدولة ما يجيز التبني يشترط أن توجد فيها الطائفة الكاثوليكية سواء في الغرب أو الشرق فإن الكنيسة تبيح ذلك، وبموجب هذه الإحالة تجيز تطبيق التبني بطريقة غير مباشرة، ولكن تبقي السلطة الكنسية لها الحق في الرقابة والحق في التدخل، إذا ما عرض عليها أمر يتعارض مع قواعد الشريعة، مثلاً إذا ما رغب الشخص المتبني في دولة ما توجد فيها الطائفة الكاثوليكية، ليتزوج بامرأة من أسرته الطبيعية، فإن الكنيسة ترفض بشدة إتمام هذا الزواج حتى ولو قطع علاقته بأسرته الحقيقية، وذلك من أجل الحفاظ على الأنساب وعدم اختلاطها وتقديس الأسرة إذ إنها دائماً تفرض رقابتها على التبني.
وأخيراً الشريعة الإسلامية التي أغلقت باب التبني بينما فتحت أبواب أخرى تضمن حماية أكثر للأطفال مجهولي النسب وللقطاء، وكذا بالنسبة لعدم قدرة الآباء على تربية الأولاد، وذلك بما يعرف بالكفالة والاحتضان والرعاية التي تضمن حماية الأنساب وعدم اختلاطها. وهذا ماتقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وهي التي تتكفل باللقطاء وترعاهم وتعلمهم حتى يبلغوا الثامنة عشر، وتعاملهم معاملة اليتيم وفق القانون السوري.
فقد اعتبر المشرع السوري التبني مخالفاً للنظام العام في الجمهورية العربية السورية، ولا يقر القانون السوري نظام التبني أبداً ويعتبره باطلاً مطلقاً، فالإنسان ينسب لوالديه الحقيقيين، فإن جهلا فلا ينسب لغيرهما ولا يسمح بأن يعلن شخص ما رغبته في أن يكون هذا ابنه دون رباط حقيقي أو أن تنزع صفة الأبوين الحقيقيين عنه.
ويمكن رد التحفظ السوري على نظام التبني وتحريمه إلى الأسباب التالية:
1- أن التشريع السوري يرفض الاعتراف إلا بالحقائق، لذا فلا يمكن أن ينسب إلى شخص ولد ليس ابنه.
2- أن التبني لمعلوم النسب ينزل منزلة البيع والشراء بين المتبني وأب عاجز فقير عن سد حاجات أطفاله، والإنسان ليس محلاً للبيع والشراء.
3 -إن التبني يخلق صراعاً بين الورثة والمتبني حول الإرث.
إن المتتبع والمراقب لتطور الفكر القانوني الدولي بشأن حقوق الطفل يجد أن موقف الشريعة الإسلامية والقانون السوري بشأن التبني جاء رافضاً للتبني ونظامه، على الرغم من تناقض القانون بعد انضمام سورية إلى اتفاقية حقوق الطفل الدولية، وتأكيد وتعزيز حقوق الطفل، حيث أن هذه الاتفاقية تنص ضمن بنودها على أن الغرض الأساسي من التبني هو توفير أسرة دائمة للطفل الذي لم يتمكن والداه الأصليان من توفير الرعاية اللازمة له، وكذلك رعاية المصلحة الفضلى للطفل، أما إذا تعذر على الدولة أن تجد للطفل أسرة حاضنة أو متبنية توفر للطفل الرعاية اللازمة في بلده الأصلي يجوز لها أن تبحث عن وسيلة بديلة لتوفير أسرة له خارج موطنه الأصلي، وفي الوقت نفسه هذه الدولة الأخيرة ملزمة برعاية الطفل واتخاذ إجراءات التبني لصالحه.
ولما هنالك من أهمية تطبيق القانون الذي لم يعد حكراً على فئة وحيدة وحصرية في المجتمع، بقدر ما هي مسألة مدنية حضارية، فهنالك دوما حالات استثنائية يجب مراعاتها وبشكل دائم خصوصا في ظل الأوضاع الراهنة في سورية، حيث الحروب والأزمات ولما لها من نتائج تأتي سلباً ليس على البنى الاقتصادية والسياسية والثقافية فحسب بل على البنية المجتمعية. فالأزمة امتدت إلى أطفال صغار لا حول ولا قوة ولا ذنب لهم في كل هذا التفكك الأسري واختلفت مسمياتهم مابين لقيط أو متشرد أو متسول أو يتيم الأبوين، لهذا وغيره كان الأمل من الحكومة السورية أن تلغي التحفظ على نظام التبني، وتطبق اتفاقية حقوق الطفل بكامل نصوصها لتعزيز حقوق كل طفل سوري.
Leave A Comment