للطفل في التطور الإنساني ارتباط عميق بالحركة الإنسانية، نظراً لما تمثّله الطفولة من امتداد عبر الزمن لفكر الإنسانية وحضارتها. وقد أكدت كلّ الحضارات والثقافات والديانات على ضرورة الاهتمام بالطفل ليكون مؤهلاً لحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه في المستقبل.
ورغم أن منظومة الحقوق لا تقبل التجزئة، غير أن حقوق الطفل في بلادنا تتعرض لجملة من الانتهاكات نتيجة للمناخ الذي تعيشه سورية، وقد يكون الطفل أكثر حساسية في التأثر بكل ما يطول حقوق الإنسان في سورية، وبالتالي انتهاك حقوق الطفل.
وعلى الرغم من أن الحكومة السورية قد صادقت على اتفاقية حقوق الطفل في تاريخ 13 حزيران 1993 بموجب القانون رقم (8) إلا أنها قد تحفّظت على المادتين (20- 21) من الاتفاقية والمتعلقتين بالتبني، وذلك نظراً لاعتبارات دينية خاصة بالمجتمع السوري، وتلحق بهما أيضاً المادة(14) المتعلقة بحرية التفكير والوجدان والدين.
والسؤال حالياً، ما هو مدى مواكبة القوانين السورية لاتفاقية حقوق الطفل؟؟
إن الوضعية القانونية لأي مجتمع مرتبطة بعاداته وتقاليده ودرجة نموه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي. والحقيقة، أنه لا يوجد في القانون السوري مادة صريحة تُجهر بالتمييز بين الأطفال على أساس الجنس أو الدين أو العرق، لكن توجد فقرات قانونية ضمن مواده تحمل في مضمونها منطقاً تمييزياً، فقانون الأحوال الشخصية ميّز بين الذكر والأنثى في المادة (16)عندما حدد اكتمال أهلية الزواج للفتى بـ 18 والفتاة بـ 17 سنة.
وما يوجد ضمن طيات القانون السوري يُعتبر تجاوزاً صريحاً وعلنياً لاتفاقية حقوق الطفل، فالمرسوم رقم (24) لعام 2000 المتعلق بتشغيل الأحداث ضمن شروط خاصة بساعات العمل ومكانه ونوعيته، منع في المادة /124-125/ منه تشغيل الحدث قبل إتمامه (15) عاماً فيما بين الساعة السابعة مساء والسادسة صباحاً، وبما يزيد عن 6 ساعات، وأعطى القانون لوزير الشؤون الاجتماعية والعمل سلطة عدم السماح لمن تقلّ أعمارهم عن 16 عاماً العمل في الصناعات التي تُحدَّد بقرار منه، وأيضاً منع التشغيل في الصناعات الأخرى ما لم يبلغوا (17) عاماً. غير أن صدور هذا القانون لم يترافق بآليات للتطبيق والتنفيذ، وما زال الأطفال قبل وبعد الخامسة عشرة يعملون في ظروف قاسية تؤثر على نموهم البدني والعقلي، وتحرمهم من ممارسة الطفولة الطبيعية.
من زاوية قانونية مشرقة أخرى، تعتبر التشريعات السورية الخاصة بقانون الأحداث متوافقة إلى حد ما مع جوهر اتفاقية حقوق الطفل فيما يخص تحديد سن الحدث، وتدابير الإصلاح النظرية، فالمرسوم رقم/52/ لعام 2003 يعتبر خطوة متقدمة ونوعية في مجال التعامل مع حقوق الطفل، إذ قرر عدم ملاحقة الحدث الذي لم يتم العاشرة من عمره جزائياً حين ارتكاب الفعل، وإذا ارتكب الفعل بعد أن أتم العاشرة وقبل أن يتم الثامنة عشرة من عمره، فلا تُفرض عليه سوى التدابير الإصلاحية. وأنواع التدابير الاحترازية تبدأ من تسليم الحدث لأبويه أو وليه الشرعي، إلى تسليمه إلى مؤسسة أو جمعية مرخصة، أو وضعه في معهد خاص بإصلاح الأحداث….إلخ..
ختاماً، لابدّ من مواجهة التحديات التي تحاصر حقوق الطفل في سورية، وتجاوزها من خلال العمل على تعديل القوانين التي تمس الطفل والطفولة، وجعلها تقترب من المعايير الدولية لحقوق الطفل، كما نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل والاتفاقيات الأخرى الداعمة لها، وتأهيل كل الفعاليات والكوادر التي على تماس مباشر مع الطفل، وخاصة الجمعيات الأهلية التي ترعى الأطفال، وإيلاء عناية خاصة بالأحداث الجانحين، إذ لا بدّ من وجود قضاة نيابة وتحقيق متخصصين بحقوق الطفل، كما لا يجوز توقيف الطفل إلا في دائرة توقيف مختصة في كيفية التعامل مع الطفل (إيجاد قسم شرطة في كل محافظة خاص بالأطفال)، أملاً في الوصول إلى وضع قانون خاص لحماية الأطفال في سورية بما يتناسب مع اتفاقية حقوق الطفل
Leave A Comment