منذ الأزل هناك جرائم وقوانين، ومع تطور المجتمعات وتكوّن الدول أصبحت السلطة العليا بيد الدولة، وحددت الدساتير لهذه الدول الحقوق الواجبات لمواطنيها وكيفية العمل داخل مؤسسات الدولة وتنظيم السلطات، والعديد من الدول شرّعت المساواة في دساتيرها حيث أعلنت أن النساء والرجال متساوون في الحقوق الواجبات على اعتبار أنهم مواطنون في هذه الدول، وعلى الدولة بمؤسساتها القضائية أن تعاقب من يعتدي على الحقوق ومن هنا يأتي الحديث عن جرائم الشرف في بلادنا وتحديداً ما يعنينا سورية والتي تجرّد الدولة من حقها في القصاص، أي من حقها في تطبيق القانون. ويأخذ الذكور هذا الحق مع أن هذا انتهاك للمواطنة وحقوق الدولة..
إن جرم قتل النساء وتحويل الذكر إلى قاتل مع وجود قانون يحميه ويخفف العقوبة واقعياً نكون قد حولنا هذا الذكر إلى مجرم وخرجت أسرة قتلت ابنتها وأصبح ابنها قاتل (لما هنالك من مواد في قانون العقوبات السوري تدعم القاتل بحمايته، منها المادة (192) والمادة (548) من قانون العقوبات السوري التي ألغيت لكن جرى الإبقاء على المادة التي تعطي العذر المخفف، أي بقيت التسهيلات لارتكاب الجرم هي الأساس..
وهنا سأتحدث اجتماعياً عن هذه المفاهيم حيث لابد لنا من توضيح مفهوم الشرف وجرائم الشرف والدافع الشريف، الشرف مفهومُ نسبي اختص به الإنسان من دون سائر مخلوقات الله، ولكل مجتمع إنساني مفهوم وقيم وقواعد تتوافق مع هذا المفهوم (الشرف)، فنظرة الإنسان لبعض القواعد المجتمعية والمبادئ تختلف بين بيئة وأخرى، حيث نرى أن في مجتمعاتنا الشرقية ينحصر الشرف بجسد الأنثى وبسلوكها، وذلك تكريساً لثقافة ذكورية تكونت على يد وعاظ وسلاطين لخدمة قوى اجتماعية وسياسية معينة ،مع أن ذلك يعد تشويهاً لمفهوم الشرف وتغييراً جوهرياً له بعيداً عن مفاهيم العدالة والمحبة والإنسانية والصدق والأخلاق وغيرها من القيم التي لا يمكن لأي فكر إنساني أن يتجاوزها..
أما جرائم الشرف (فهي تلك الجرائم التي يزعم الفاعل أنه ارتكبها بدافع من الشرف بحجة قيام الأنثى بفعل وأثارت في نفسه نوعاً من مشاعر الاستفزاز تكون قد دفعته لقتلها، فالدافع الشريف هو العاطفة النفسية الجامحة التي تسوق الفاعل إلى ارتكاب جريمته تحت تأثير فكرة مقدسة لديه، وهنا يكمن التناقض، فالشرف كقيمة معنوية لا يمكن أن يكون دافعاً لارتكاب جريمة أياً كانت، كما أن الجريمة لا يمكن أن تضفي على مرتكبها صفة الشرف.
أما من الزاوية القانونية:
فإننا نجد أن القانون يميز بين المرأة والرجل بشكل واضح، فقد ورد في مواد قانون العقوبات المادة (548) ما يلي:
-يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود، أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد.
يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر.
وقد تم تعديل نص المادة السابقة بموجب المرسوم رقم /1/ تاريخ 3/1/2011 إذ أصبحت كالتالي:يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخوته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد، وتكون العقوبة الحبس من خمس سنوات إلى سبع سنوات في القتل.
وبذلك تكون العقوبة وفقاً للتعديل الصادر هي الحبس من خمس سنوات إلى سبع سنوات في القتل، في حين كانت سابقاً سنتين، وذلك لاحقاً أيضاً بالمرسوم 37 تاريخ2009،حيث حدد التعديل العقوبة بسنتين بعد أن كانت تعفي القاتل من أي عقاب أبداً ,لكن هذه التعديلات غير كافية ومتواضعة جداً، فإلغاء هذه المادة كاملةً من القانون واعتبار جرائم قتل النساء جرائم قتل متعمد لا ضير فيه لأن الحياة حق مقدس، ولا يحق لأحد أن يصادر هذا الحق، ومن المتوجب أن يكون ذلك بيد الدولة والقانون فقط وليس الأشخاص وبطريقة عشوائية فردية ومختلفة حتى أحياناً بين منزل وآخر.
قد نقف أمام حالات كثيرة تدعي غطاء الشرف ترتكب الجريمة تحت هذا الاسم، لكن الحقيقة هي استغلال من كثيرين للتخلص من زوجاتهم أو قريباتهم، بشكل لا علاقة له نهائياً بخيانة وإقامة علاقات جنسية غير شرعية، فلا يجوز ولا يحق لمرتكب ما يدعى بجرائم الشرف الاستفادة من عذر مخفف بحكم القانون مهما طرأت من تعديلاتٍ في ظل قانون يفيد القتلة، ويخفف عنهم العقاب، بذلك لن نخرّج مجرماً واحداً من السجن بعد عدة سنوات بل سنخرج أجيالاً من المجرمين الذين سيرتكبون هذا الفعل بحق أخواتهم وبناتهم وزوجاتهم من دون أن يردعهم ضمير أو تثنيهم عقوبة. إن وجود هذه المادة تشكل ثغرة خطيرة وشنيعة في قانوننا، هنالك فسحة تخرج القاتل من المادة التي تعطي العذر المخفف، وهي المادة (192)، فمرتكب هذا النوع من الجرائم كمرتكب جرائم القتل لابد من أن يكون عقابها كعقاب مرتكب جرائم القتل العادية.
ولا يجوز التفريق بين الرجل والمرأة في هذا الشأن من حيث الجرم أو العقوبة، فخطورة الفعل تتمثل في الإهانة التي تسببها هذه الجرائم للأنثى، أفلا يمكن أن يفكر الذكر في حياكة وتدبير قصة للأنثى التي تخصه بغية التخلص منها سواء كانت زوجه أو شقيقته؟
ختاماً: علينا السعي لتحرير الأسرة كاملةً من أي سلطة وقهر سواء أكانت من الأب أم من الأم، وأن يحل الحب والتفاهم محل القمع، والعطف والثقة محل الشك والخوف، و مفتاح التغيير الجذري في مجتمعنا هو بترسيخ النظرة الإيجابية للمرأة ومساواتها بالرجل، وتحرير المجتمع من المفاهيم المتخلفة للشرف، فمن المستحيل أن يتغير المجتمع ما دامت المرأة في وضعها الراهن، وما دامت نظرتنا لها وللشرف على هذا المستوى من الجهل والضحالة، وطالما أن المرأة لم تتغير بعد فالإنسان العربي غير قابل للتغيير،وهائمأ في تقاليد ومفاهيم بالية، ومن المهم أن تتغير مفاهيم الشرف من الجسد الى العقل
Leave A Comment