تنوء دفاتر أقسام الشرطة ببلاغات الانتحار، وتضيق المستشفيات ذرعاً بالمنتحرين، فمحاولات الانتحار تبدأ في التصاعد خلال الحروب، لأن الكثير من الناس يشعرون بعدم أهمية الحياة، وهنالك الكثير من التحديات التي تواجههم مجتمعة خلال يوم واحد، هنالك الكثير من الناس يعيشون حالة لا شعور خلال الأزمات وذلك بسبب حدوث إفلاس وشيك أو هجوم على الشارع أو احتراق منازلهم.
إنها الحرب التي بسببها يموت معظم الناس، ومازالت موسيقاهم داخلهم، فالانتحار سلوك إنساني معروف عبر التاريخ.. ويشترك الإنسان وبعض الكائنات الحية الأخرى في هذا السلوك.. مثلاً تقدم العقرب على قتل نفسها بنفسها بواسطة اللدغ عندما تجد أنها محاصرة بدائرة من النار ولا تستطيع الخروج من هذه الدائرة.. وبذلك فهي تختار أن تنهي حياتها بنفسها بدلاً من أن تموت احتراقاً..
ويبدو أن هذا السلوك الغريب للعقرب له ما يبرره..! وربما يعكس إحساساً فطرياً وغريزياً بأن الموت قد أصبح قريباً جداً بسبب اقتراب النار الملتهبة منها، وعندها تفضل أن تقتل نفسها بنفسها محافظة على تفوقها وقوتها وكرامتها! وبواسطة السلاح الذي تستعمله لقتل الأعداء، وهو نفس السلاح الذي يحميها ويضمن لها بقاءها واستمرار حياتها وكفاحها.
والحالات المشابهة عند بني البشر ليست كثيرة، لكنها موجودة، ولاسيما في حالات مثل الحروب والوقوع في الأسر ونفاذ ذخيرة المقاتل وغيرها.. وهي لا تمثل إلا جزءاً قليلاً من حالات الانتحار عند بني البشر.
ويمكننا أن نستنتج أن الشعور بالكرامة الشخصية والقوة له أهمية كبيرة في إثارة فكرة الانتحار. ويمكن تعريف الانتحار بأنه العملية التي يتم فيها تخلص الفرد من نفسه بوسائل مختلفة، بالعقاقير أو الحرق أو السقوط من مكان عالٍ، الطعن والشنق وغيرها من الوسائل التي تنفذ بها الجريمة، وهناك العديد من الأسباب له متمثلة في المشاكل النفسية كحالات الاكتئاب والشعور بالذنب، وبعض الاضطرابات العقلية، إلى جانب الإحساس بالفشل وعدم المقدرة على الصبر على الابتلاء والمشاكل الاجتماعية كانفصال الوالدين أو الحرمان العاطفي من الأم أو الأب، ومن الجو الأسري الآمن المستقر، كل هذه تعدّ أسباباً مباشرة للانتحار،و عندما نحاول فهم دوافع المنتحر، لابد أن نضع في الاعتبار أن معظم المنتحرين مدفوعون بسيل من العواطف القوية لا بأفكار عقلية أو فلسفية، وفي الواقع أن مجتمعاتنا شرقية تقليدية تحتكم في معظم مسير حياتها إلى انتماءات دينية مختلفة ومتعددة، لذلك نجد الانتحار مرفوضاً في معظم الأديان، فتنظر الديانات إلى الانتحار على أنه فعل مدان، فهو عمل يتعارض مع نفسه لأنه انتهاك للعلاقة الخاصة بين الشخص والله، وفعل الخروج على طاعة الله من وجهة النظر الكاثوليكية تقول إن الانتحار جريمة في المسيحية كونها تحرم البشر من أحد حقوقهم الأساسية، وهي الحياة، ومن ثمّ تجعل الفرد خارجاً عن الأطر الإلهية، ومن وجهة نظر اليهودية نجد أن الديانة اليهودية لاتختلف عن غيرها من الديانات كونها تنهى عن قتل النفس باعتبار أن النفس عند اليهود جزء لا يتجزأ من الله، ومن وجهة نظر الإسلام فهو محرّم في لأن النفس ملك لله وليس لأحد أن يقتل نفسه.
ما هو العلاج في ظل هذه الظروف الراهنة؟
على الرغم من صعوبة تحديد علاج شامل للاضطرابات المؤدية إلى الانتحار، إلاّ أنه يجب العمل على ضرورة الاستمرار بإلقاء الضوء على السلوك الانتحاري، وتعميم مفاهيمه ودوافعه وتأثيراته الضارة على الأفراد والمجتمعات التي ينتمي إليها المنتحر.
إضافة إلى ذلك، يتوجب وضع خطط وقائية للحدّ من تزايد حدّة السلوك الانتحاري بين المراهقين والشباب بوسائل أهمها:
1- وضع برامج اجتماعية تؤمّن التوافق بين تكيّف الشباب المعاصر مع المعايير الاجتماعية الجديدة من جهة، والإحتفاظ بالهوية الفردية من جهة ثانية، الأمر الذي يحول دون شعورهم بالضياع والفشل والعجز عن تقبّل الواقع بالسرعة المطلوبة.
2- محاولة إنشاء نوع من الترابط العائلي، وتوجيه العائلات لمنع تفاقم الهوة بين الآباء والأمهات، أملاً في إعادة اللحمة العائلية إثر التفكّك الذي نال من بنيتها بفعل الحرب، فمحاولة الحدّ من تهافت الشباب على الأفكار والمعتقدات البعيدة عن القيم الإنسانية الصحيحة، الأمر الذي يعيد الاطمئنان إلى النفوس، ويحيي فيها من جديد بريق الأمل.
3- إلقاء الضوء على الأمراض والاضطرابات النفسية التي تتسبب بالانتحار، وتشجيع العائلات على استشارة الأطباء النفسيين من دون خوف أو خجل، فالأمراض النفسية هي بمجملها بيولوجية المنشأ، وتحتاج إلى العلاج بالأدوية.
4- الأخذ بعين الاعتبار دور البطالة في تفاقم الشعور بالفشل والضياع بالوقت الراهن.
5- سن قوانين تحيل الذي حاول الانتحار الى مراكز نفسية بشكل إجباري
Leave A Comment