بالرغم من التستر والصمت الذي مازال، مع الأسف، يحيط بظاهرة العنف ضد المرأة في مجتمعاتنا بدرجتها الحقيقية، إلا أن الجميع يعترف أنها ظاهرة عالمية ومنتشرة بنسبة كبيرة، وهي متفاوتة من مجتمع إلى آخر مع اختلاف أشكال العنف سواء كان قانونياً، جسدياً، اقتصادياً، لفظياً، نفسياً، وجنسياً. وقد تترافق عدة أشكال من العنف معاً مرات كثيرة. فإذا أردنا الحديث حول العنف القانوني ضد المرأة في قوانيننا السورية، فإننا سنجد الكثي مما يقال في قانون الأحوال الشخصية وقانون الجنسية وقانون العقوبات وكثير من الاجتهادات القانونية، ومن هذا العنف القانوني في قانون العقوبات السوري سنتحدث اليوم عن المادة ،489 التي ورد في فقرتها الأولى: (من أكره غير زوجه بالعنف أو التهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل).
وهنا نجد أن هنالك عنفاً قانونياً جنسياً مجحف بحق المرأة، لكن ما هو العنف الجنسي؟
إنه أي فعلة جنسية، أو أي محاولة للشروع في فعل جنسي، أو أي تعليقات جنسية أو تحرش جنسي، أو أي تدبير موجه بطريقة أو بأخرى ضد أي شخص بالإكراه من قبل شخص آخر بصرف النظر عن علاقته بالضحية، وبصرف النظر عن مكان هذه الأفعال، سواء كان مثلاً في المنزل، أو مكان العمل، أوالشارع.
أما الاغتصاب فمازال البعض إلى يومنا هذا ينظر إلى الاغتصاب ضمن العلاقة الزوجية لا على أنه عنف! وإنما هو حق من حقوق الزوج بغض النظر عن رغبة الزوجة. لذلك نجد أن قانون العقوبات السوري لا يعاقب عليه، فالمشرع يبيح للزوج إكراه زوجه بالعنف والتهديد على الجماع. وبالتالي فإن قانون العقوبات السوري يشرِّع اغتصاب الزوج لزوجته. والأصل في قانون العقوبات أن الاغتصاب لا يتصور وقوعه على الزوجة من قبل الزوج، ويعتبر ذلك فعلاً مباحاً و مشروعاً وغير مجرّم وغير معاقب عليه.أي أن المشرع استثنى الزوجة صراحة من دائرة جريمة الاغتصاب.وأباح القانون حالة الإكراه الجنسي بين الزوجين ولم يعاقب عليها، وإن هذا الإكراه يكاد يكون شائعاً في بعض الأوساط الاجتماعية، إلا أن التكتم الشديد الذي يحاط به سواء من قبل الزوج أو الزوجة يجعل من المستحيل لهذه لحالات أن تصل إلى أروقة المحاكم. لذلك تكاد تكون القضايا التي تتعلق بهذه الحالات نادرة.
لكننا نلاحظ أن المشرع لم يكن بمثل هذا الوضوح في جرائم أخرى أخف وطأة من الاغتصاب، ومثال ذلك ما ورد في المادة 493 من قانون العقوبات بأنه: (؟من أكره آخر بالعنف أو بالتهديد على تحمل أو إجراء فعل منافٍ للحشمة عوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن اثنتي عشرة سنة)). هنا نلاحظ أن المشرع لم يستثن الزوجة من نطاق هذه المادة، رغم أن الجريمة الواردة فيها هي أقل جسامة من جريمة الاغتصاب. والمادة 520 ورد فيها: (كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى ثلاث سنوات)، مع العلم أن القانون والقضاء يعاقبان على المجامعة خلاف الطبيعة ولو تمت بين زوجين!
ومن ناحية ثانية نجد أن المشرع السوري يعاقب الزوج في حال ارتكابه بحق زوجته إحدى الجرائم الواقعة على الأشخاص كالقتل والإيذاء والتسبب بالإيذاء. وهنا يبرز لنا تناقض كبير في القانون يتمثل في إباحة القانون لجرم اغتصاب الزوج لزوجته بالعنف والتهديد، مع أنه من جهة أخرى يعاقب الزوج الذي يتسبب بإيذاء زوجته إيذاء جسدياً بسيطاً كالتسبب في سحجات أو كدمات بسبب ضربه لها. فأيهما أشد على الزوجة وأقسى: اغتصابها أم ضربها؟ وكيف نجيز للزوجة ملاحقة زوجها جزائياً لمجرد أنه تسبب لها بكدمة بسيطة أو سحجة سطحية ولا نجيز لها ملاحقته في حال أقدم على اغتصابها دون إرادتها!
إن إرغام الزوج للزوجة على ممارسة الجنس معه، من الناحية السيكولوجية هو إذلال لـ (الأنا الأنثوي) لزوجته، يجعل الزوجة تشعر بالإهانة والإذلال والاستعباد والدونية، وتدل على العقلية الذكورية التي يتصف بها الزوج، فهو ينظر بدونية إلى زوجته باعتبارها امرأة ولا يحترم حقوقها الزوجية، مشدداً على أن العقلية الذكورية أسست الاختلاف الجنساني بين الرجل والمرأة، رغم مساواتهما في الرغبة الجنسية، وسعت بكل الوسائل إلى كبح هذه الشهوة الجنسية. فلماذا، إذاً، نجيز للزوج إكراه زوجته على المعاشرة الجنسية دون رضاها رغم أن العلاقة الجنسية (هي التزام بالقيام بعمل بحكم عقد الزواج الذي لاينعقد قانوناً إلا بإرادة الطرفين)، والعلاقة الجنسية بين الزوجين، هي أحد الالتزامات المترتبة على العقد كغيرها من الالتزامات الأخرى، كالمهر والنفقة والمتابعة وغيرها. وما ينطبق على المهر والنفقة يجب أن ينطبق على العلاقة الجنسية، لأنها جميعاً آثار مترتبة على عقد واحد، فلا يعقل أن نطبق على كل أثر حكماً مختلفاً عن الحكم المطبق على الآثار الأخرى. فهل يجوز للمرأة أن تجبر زوجها بالتهديد والعنف على دفع المهر أو النفقة الزوجية؟ ألن تعاقب المرأة لو فعلت ذلك مع أنها لم تقم بذلك إلا مطالبة أيضاً بحقوقها الزوجية؟!
Leave A Comment