يطرح موضوع الإجهاض إشكالاً أخلاقياً وقانونياً في مجتمعاتنا الشرقية ,فإن المجتمع الذي لا يعطي اعتباراً لحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل يكون الحديث فيه عن الإجهاض هو أمراً سرياً غامضاً فعلى الرغم من انتشار الإجهاض ما بين طيات المجتمع وبين ظلال ظاهرة السوق السوداء (للإجهاض) -أي ضمن منزل القابلة أو العيادة النسائية المخفية-, نسمع بالكثير من التبريرات الوهمية فهذه الأعمال الغير قانونية قد تفسر بأنها حماية للمرأة الشرقية من فضيحة اجتماعية, في حقيقة الأمر وبشكل عام ضمن مجتمعاتنا ليس هنالك أي أحد يريد الحديث عن الاجهاض , أو حتى الاعتراف به , وكأن غض الطرف عنه يلغي وجوده نهائياً . لذلك كان لابد من التنويه عن الإجهاض ويمكن شرح مفهومه لغة بأنه الولد السقط أو إسقاط جنين ناقص الخلقة أو ناقص المدة.
ومن حيث تعريفه طبياً وقانونياً يكون على الشكل الآتي:
أولاً طبياُ: هو خروج رحم المرأة الكامل في وقت قبل تمام أشهر الحمل.
ثانياً قانونياً: نجد أن القانون السوري لم يتعرض لتعريفه وإنما عرفته محكمة النقض السوري بقولها إنه عمل عمدي يقصد به تحقيق نتيجة معينة هي إسقاط الجنين قبل الميعاد المحدد، و باختصار يمكن تعريفه بأنه قتل مقصود للجنين قبل الولادة.فمن الناحية القانونية يتبن لنا أن الرادع القانوني لجرم الاجهاض قد ورد ضمن قانون العقوبات السوري، في الباب المتضمن للجرائم التي تمس الدين والأسرة، من المادة \525\ إلى مادة \532\ على النحو الآتي:
اولاً
يعاقب من شهرين إلى سنتين وبالغرامة من مائة إلى مائتين وخمسين ليرة. من باع أو عرض للبيع أو اقتنى بقصد البيع مواد معدة لإحداث الإجهاض أو سهل استعمالها بأية طريقة كانت.
ثانياً
كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو استعمله غيرها برضاها تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.
ثالثاً
من أقدم بأية وسيلة كانت على إجهاض امرأة أو محاولة إجهاضها برضاها عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
وإذا أفضى الإجهاض أو الوسائل التي استعملت في سبيله إلى موت المرأة عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة من أربع إلى سبع سنوات.
وتكون العقوبة من خمس سنوات إلى عشر سنوات إذا تسبب الموت عن وسائل أشد خطراً من الوسائل التي رضيت بها المرأة.
رابعاً
من تسبب عن قصد بإجهاض امرأة دون رضاها عوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل.
ولا تنقص العقوبة عن عشر سنوات إذا أفضى الإجهاض أو الوسائل المستعملة إلى موت المرأة.
خامساً
تستفيد من عذر مخفف المرأة التي تجهض نفسها محافظة على شرفها
سادساً
إذا ارتكب إحدى الجنح المنصوص عليها في هذا الفصل طبيب أو جراح أو قابلة أو عقار أو صيدلي أو أحد مستخدميهم فاعلين كانوا أو محرضين أو متدخلين شددت العقوبة.
إن هذا السياق يشير إلى أن القانون السوري يعاقب على جريمة الإجهاض باعتبارها “جناية”، وقد يعاقب عليها باعتبارها “جنحة”، فقانون العقوبات السوري يقف موقفاً حاسماً من موضوع الإجهاض، حتى إنه لا يفرق بين الشروع بالإجهاض، وبين إنجازه، ولا يفرق بين الإجهاض في بدء الحمل، أو نهايته، و بل هنالك الأكثر من ذلك ضمن قانون تنظيم مهنة الطب في سورية حيث نرى موقف المشرع أشد صرامة في موضوع الإجهاض فهو يحظر على الطبيب الإجهاض بأية وسيلة كانت إلا إذا كان استمرار الحمل يشكل خطراً على حياة الحامل ويشترط حينئذ:
- أن يتم الإجهاض من قبل الطبيب المتخصص وبموافقة طبيب آخر
- أن يحرر محضر بتقرير الحاجة المبرمة للإجهاض قبل إجراء العملية
- أن تنظم منه أربع نسخ أو أكثر يوقعها الأطباء والمريضة أو زوجها أو وليها وإذا ارتكب الطبيب جرم الإجهاض ولم يثبت موافقة طبيب آخر مختص ولم يحرر محضر من قبل بتقرير الحاجة المبرمة للإجهاض قبل إجراء العملية يسحب ترخيصه ويمنع من مزاولة المهنة بأي صفة كانت لمدة لا تقل عن سنة واحدة بقرار من وزير الصحة وينفذ فوراً بواسطة النيابة العامة وفي حال التكرار يجوز سحب شهادته الطبية وإسقاط جميع الحقوق الممنوحة له بموجبها.
ولكن ما بين قتل! وفضيحة! وحقوق المرأة! يثار السؤال أليس من حق المرأة أن تجهض جنينها؟؟؟
في واقع الحال إن الاستنكار الشديد لمفهوم الإجهاض بالرغم من أنه قد تكون المرأة قد تعرضت للاغتصاب يؤدي إلى نتائج أخرى غير مرغوبة.فالقضية التي تواجهها المرأة أنها تريد التخلص من الجنين مباشرة وتخفي الأمرعن الجميع مما يطرها للجوء إلى وسائل بدائية للتخلص من الطفل بالقوة, قد تفضي بحياتها للموت ومع صعوبة وقساوة هذه الحالات أوليس من المفروض أن يكون الإجهاض حق من حقوق الإنسان،؟؟ فإذا كانت المخاطر الصحية التي تضع المرأة نفسها فيها لتفادي عقاب المجتمع تزداد بكثير عن المخاطر عند التحدث عن منعه تماما,وكل ذلك يرجع إلى مسألة ضعف الوعي الثقافي لمفهوم حق الإجهاض، فالمجتمع يعامل المغتصبة على أنها مجرمة، أخطأت بحق نفسها، ومع وجود حمل من هذه الجريمة تنتهي حياة تلك الأنثى للأبد، لهذا لا بد من وجود فتوى، أو نص قانوني جديد يبيح إجهاض المرأة الناتج عن اغتصاب، ولابد من البحث عن علاج حقيقي، من خلال تبني الدولة حلولاً واقعية، بعيداً عن الاصطدام بنصوص شرعية واضحة في تحريم الإجهاض بشكل كامل.
Leave A Comment