كتبت آلاء عامر في الحل:
في كتباها “ليس للحرب وجه أنثوي”، تُرجّع الصحفية والكاتبة البلاروسيّة “سفيتلانا اليكسييفيتش”، أول مُشاركة موثقة تاريخياً للنساء في الحرب، إلى القرن الرابع قبل الميلاد، عندما شاركت النساء في الحرب الدائرة بين أثينا وإسبارطة، كما أشارت الكاتبة إلى دور النساء في غزوات الإسكندر المقدوني.
وبالقدوم إلى العصر الحديث، تُشير “اليكسييفيتش” في مقدمة الكتاب إلى مشاركة النساء بين عامي 1550- 1560 في تجهيز مشافي حربيّة في إنكلترا كانت تعمل فيها نساء مجندات، كما جندت بريطانيا خلال الحرب العالميّة الأولى النساء في القوات الجويّة الملكية البريطانيّة، وشاركت 100 ألف امرأة في تشكيل الفيلق الملكي المساعد والفرقة النسائية في المشاة الميكانيكية .
بالانتقال إلى الحرب العالميّة الثانيّة، تحكي “اليكسييفيتش” عن حضور نسائي قوي في الجيش البريطاني والذي شاركت فيه 225 ألف مجندة، وفي الجيش الأميركي الذي قاتلت في صفوفه أكثر من 450 ألف مجندة، وفي الجيش الألماني الذي انضمت إليه أكثر من 500 ألف مجندة، وفي الجيش السوفياتي الذي حاربت فيه مليون مجندة!
الحضور النسائي الضخم فرض على الحرب العالميّة الثانيّة قواعد مختلفة بداية من اضطرار الجيوش إلى إيجاد كلمات جديدة لوصف العناصر الجدد المنضمين إليها، حيث أُدرجت كلمات جديدة في اللغة الروسيّة مثل (عنصرة دبابة ،عنصرة مشاة، عنصرة رشاشات) وغيرها من التسميات النسائية التي ظهرت خلال الحرب العالميّة الثانيّة، مروراً بترفيع المجندات إلى رتب عسكريّة عاليّة تجعل من النساء قائدات عسكريّات يقدن الرجال في المعارك، هذه التفاصيل التي قوبّلت في البداية بالاستهجان والسخريّة من قبل أغلب الجنود، تحولت مع سنوات الحرب إلى أمر واقع أجبر الساخرين منها على تقبلها والتعايش معها.
قص الجدائل والملابس الداخليّة الرجاليّة وانقطاع الطمث
في كتابها “ليس للحرب وجه أنثوي”، سجّلت الصحفية تفاصيل الحرب كما روتها لها المجندات السابقات، موضحةً أنها تريد التعرف على الحرب من منظار نسائي، فالنساء يعشن الحرب بشكلٍ مختلف، لأن النساء تسجلن تفاصيل لا يجيد الرجال ملاحظتها أو الحديث عنها، المجندات السابقات أخبرن الكاتبة كيف أجبرتهن الحرب على قص جدائلهن الطويلة، وعلى ارتداء ملابس داخليّة رجاليّة، وكيف تخلين عن حمالات الصدر وعن الفساتين وأحذية الكعب العالي، وكيف كن يُجررن أقدامهن في “جزمات” رجاليّة أكبر بنمرتين أو ثلاث على الأقل من نمرة رجلهن، وكيف اضطررن إلى نسيان كونهن نساء يربين الحياة تسعة أشهر في بطونهن قبل أن يلدنها، فإذا لم تنسى المرأة أنها سر الحياة لن تكون قادرة على القتل وإطلاق الرصاص، لذلك تحدثت النساء كيف غيّرت الحرب من طبيعة أجسادهن، فأغلب المجندات السابقات أخبرن الكاتبة أنهن عانين من انقطاع الطمث خلال فترة الحرب، وكيف أن أجسادهن عادت إلى طبيعتها بعد عدة أشهر من انتهاء الحرب أي بعد أن عدن إلى ممارسة يومياتهن بأنوثة.
بعد الحرب.. الرجال سرقوا النصر
المُلفت في تجربة النساء في الجيش السوفيتي أنه رغم حصول أغلبهن على ميداليات شجاعة، ورغم اعتراف الضباط بأهمية مشاركة النساء في الجيش وفي تحقيق النصر وتعجيله، فإن الرجال تبرؤا من المجندات السابقات بعد انتهاء الحرب، ورفضوا الزواج منهن، بحجة أن المرأة التي شاركت في الحرب صارت منتقصة الأنوثة لأنها خالطت الرجال ونامت إلى جانبهم في ذات الخندق ودخنت معهم السجائر وكانت تلبس مثلهم، هكذا سرق المجتمع الروسي من النساء حقهن بالفخر في النصر، وتحول الرجال إلى أبطال دافعوا عن وطنهم والنساء إلى عاهرات كن يسهرن على إشباع حاجات الجنود الجنسية!
احتاجت المجندات السابقات إلى ثلاثين عام حتى يتغير المجتمع الروسي ويبدأ بتقديرهن واحترام مشاركتهن في الحرب.
الكتاب الحاصل على جائزة نوبل للأدب عام 2015 هو عبارة عن قصص قصيرة نتعرف في كل واحدة منها على لوحة حربيّة نسائيّة، تظهر فيها قدرة المرأة على إيجاد الحياة حتى في حضرة الموت.
Leave A Comment