رنا شعيتو
يمكن القول بدون مبالغة أنّ فيروس كورونا المستجدّ اكتسح العالم. وقد كشفت الجائحة العالمية وردود الفعل الرسمية عليها عن فروقات إجتماعية-إقتصادية مبنية على الجندر تم إهمالها والتغاضي عنها رغم إستفحالها.
في ١٥ آذار ٢٠٢٠، أعلن مجلس الوزراء اللبناني حالة الطوارئ الصحية التي دعت إلى تعليق العمل في كافة الدوائر الرسمية والمؤسسات التعليمية والشركات التجارية. ومنذ ذاك الحين، فرضت الحكومة إغلاق البلاد/التعبئة العامة عدة مرات في محاولة منها إحتواء الإنتشار السريع للجائحة. ولكن رغم الجهود الحثيثة للحفاظ على ما يشبه الإستقرار، عبر العمل من المنزل والتعليم عبر الإنترنت وإستمرار توفير الخدمات الأساسية، يبدو لبنان على شفير الإنهيار التام، إذ عجّلت الأزمة الصحية في تفاقم التحديات الاقتصادية بعد تراجع قيمة العملة الوطنية جرّاء سوء تصميم السياسات وتطبيقها من جهة، والفساد السياسي من جهة أخرى. وكشفت أيضاً عن الثغرات في خطط العمل التي تفتقر إلى الإعتبارات الجندرية وتتجاهل التمييز المنهجي الذي تعانيه المرأة في المجالات الخاصة والعامة. وطبعاً لبنان ليس بمعزل عن الإقتصاد العالمي الرأسمالي الذي يعطي الأولوية لجمع الثروات بدلاً من حماية اليد العاملة.
وفي ظل هذه الإنعكاسات، لا بد من النظر في أسباب تحمّل المرأة العبء الأكبر في الأزمات الصحية، عبر تناول المسائل المتعلّقة بالوصول إلى الرعاية الصحية والفرص الإقتصادية والسلامة.
يمكن التسليم جدلاً بأنّ تدابير الإقفال قد تكون فعّالة في مواجهة المسائل الصحية المباشرة، أي إنتشار الكورونا، إنما لا بدّ من الإقرار بأنها تؤدّي في الوقت عينه إلى تعزيز الظلم البنيوي بشكل حادّ. فأولاً، تشكّل النساء ٧٩.٥٢% من هيئة التمريض اللبنانية بحسب نقابة الممرضات والممرضين في لبنان، ما يعني أنّ إرتفاع المخاطر الصحية المهنية المرتبطة بتشكيل النساء أعلى نسبة من الجسم الطبي في الخطوط الأمامية ينتج معدلات إصابة أعلى بين النساء. وفعلاً، تشير الدراسات الإحصائية لمعدلات الإصابة بين العاملات والعاملين في مجال الرعاية الصحية في لبنان إلى أنّ النساء يشكّلن ٦٠% منهم/ن. ولكن هذه النسبة لا تظهر سوى القشرة الخارجية للوقع التراكمي الأكثر تعقيداً بدرجات. فالنساء اللواتي يصبن بالفيروس ينقلن العدوى أكثر، نظراً إلى الواجبات المنزلية ومهام الرعاية التي يوكلن بها في إطار العائلة وفي حياتهن الخاصة، إذ يُتوقّع من النساء الإعتناء بالرضّع وكبار السن والمرضى ضمن عائلاتهن، ولا بد بالتالي أن تؤدي المخاطر الصحية المهنية إلى ارتفاع معدلات الإصابة. ما يقودنا إلى مسألة العمل غير مدفوع الأجر الوثيقة الصلة بما سبق.
يشير صندوق الأمم المتحدة للسكان أنّ النساء ينجزن أعمالاً غير مدفوعة الأجر في المنزل ثلاث مرات أكثر من الرجال. ومع الإغلاق الشامل للمؤسسات التعليمية، يُتوقَّع من النساء تولّي المزيد من الأعمال غير مدفوعة الأجر مثل التعليم في المنزل. ويأتي هذا على حساب عملهن المدفوع الأجر الذي يخاطرن بالتقصير فيه، ما قد يؤدي إلى فقدانه. وطبعاً ليس بمفاجئ أنّ خسائر القوى العاملة الناجمة عن الكورونا كانت أشدّ وقعاً على النساء بأشواط. وبالإضافة إلى كسب النساء أجور أدنى وتوظيفهن في قطاعات العمل غير الرسمية فإنّ وظائفهن أقل ثباتاً، ما يجعلهن أكثر عرضةً في الأزمات، ما يعزّز بدوره الفجوة في الأجور بين الجندرين، الكبيرة أصلاً والتي تبلغ ٥٦% في لبنان، وفق المنتدى الإقتصادي العالمي.
فكيف بالأحرى بالنسبة لعاملات المنازل الأجنبيات؟ لقد تزامن الإنهيار الإقتصادي مع تدابير عزل لمكافحة الجائحة، ما وضعهن في موقف حرج وضعيف جداً. ومَن لم يتخلَ عنهن أصحاب العمل بداعي الأزمة الإقتصادية المتفاقمة، إضطررن إلى البقاء في المنزل في يوم عطلتهن الأسبوعي وأرغمن في النهاية على العمل. كذلك أجبرن على إنجاز الأنشطة الخارجية مثل تنزيه الحيوانات الأليفة وشراء البقالة، ما يعرّضهن أكثر للإصابة بالفيروس.
وإذ انحسر النشاط المباشر مع الآخرين إلى أدنى حد وفُرضت تدابير التباعد الإجتماعي، أصبحت معظم الأنشطة التعليمية والمهنية رقمية وانتقلت إلى الإنترنت. ولكن الإعتماد على التكنولوجيا يهدّد سلامة الفتيات والنساء على الإنترنت ويعرّضهن إلى عنف جندري أكبر. وحتى قبل الإنتقال إلى تكنولوجيا المعلومات والإتصالات عبر الإنترنت بسبب الجائحة، كانت النساء معرّضات ٢٧ مرة أكثر للتحرّش عبر الإنترنت. ويرجّح أنّ حوادث العنف الرقمي على أساس النوع الإجتماعي في تزايد.
غير أنّ العنف ضد النساء لا يتوقف مع إطفاء الأجهزة الإلكترونية، بل يشهد العنف القائم على الجندر إرتفاعاً مؤسفاً خارج إطار الشبكة حتى. وفيما تفرض الحكومات الإقفال العام وتطلب من الناس إلتزام الحجر في المنازل، فإنها تتجاهل الإقرار بأنّ المنازل ليست كلها آمنة، وقد أكّدت ذلك إحصاءات هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان التي أفادت بأنّ عدد الإتصالات بخطوط المساعدة منذ بداية الجائحة تضاعف في لبنان. ولا بد من الإشارة إلى أنّ وجود المعتدي مع الضحية في المكان عينه بشكل متواصل لا يعرّضها إلى خطر أكبر فحسب بل يسلبها أيضاً القدرة على الإبلاغ عن العنف. ولمواجهة هذه العراقيل في الإبلاغ ثم توفير خدمات الدعم للنساء المحتاجات، أمر المدعي العام التمييزي القضاة بالسماح بإستجواب الضحايا عبر إتصالات الفيديو بدلاً من الحضور الشخصي.
ومن المخاطر الصحية العامة الأخرى التي تؤثّر بشدة في النساء، إنقطاع الوصول إلى الحقوق الجنسية والإنجابية حيث يتسبب تفشّي فيروس كورونا المستجدّ بعرقلة الوصول إلى المعلومات والخدمات الذي كان أصلاً رديئاً. فمع تخصيص معظم الموارد لخطط الإستجابة للجائحة يصبح من المستحيل توفير هذا الوصول الحيوي، ما يؤدّي إلى إرتفاع ضحايا الحالات المرتبطة بالصحة الجنسية والإنجابية. وفي ١٨ آذار ٢٠٢٠، شكّلت وزارة الصحة لجنة معنية بسلامة الحوامل كجزء من خطة الطوارئ الصحية ولكنها لم تنتج أي مساهمات ملحوظة. ويفيد العديد من العاملات/ين في مجال الرعاية الصحية بأنّ الشكوك تساورهن/م عند معالجة الحوامل إذ لم يتلقوا/ين التدريب المناسب لذلك.
لكل هذه الأسباب والمزيد، ولأنّ النساء يرزحن تحت الوقع الأكبر في الأزمات الإقتصادية والصحية، لا يجوز إستمرار الإهمال البنيوي في تصميم السياسات واتّخاذ القرارات. في أوائل آذار، تم إستحداث خلية الأزمة الوزارية المعنية بمتابعة موضوع فيروس كورونا بقيادة رئيس الوزراء السابق حسان دياب بالإضافة إلى خلية أزمة للطوارئ. ولكن جهود التنسيق كانت في غياب خبير/ة في الشؤون الجندرية لتقييم فعالية التدابير على المستوى الجندري. ما أنتج حالة طوارئ مستبدّة فشلت في حماية النساء. لا بدّ بالتالي من الحرص على مراعاة النوع الإجتماعي عند وضع أطر عمل للوقاية والتدخّل مع تركيز خاص على مواجهة العنف المبني على النوع الإجتماعي، والوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، وإستراتيجيات التمكين الإقتصادي والحماية الإجتماعية. إنّ عدم مراعاة النوع الإجتماعي هو قمع على أرض الواقع؛ إنه خيار وليس صدفة. وحماية المرأة ليست موضوعاً ثانوياً ويجب الكف عن إعتباره كذلك.
ملاحظة: أعدّت هذه الدراسة الأستاذة رنا شعيتو وقامت بترجمتها إلى العربية الاستاذة كلودين فرح، وهي أٌعدت لصالح مؤسسة هيفوس، وتمّ نشرها على منصة ” صَيران”. هذا الأخير هو منصة للرأي العام في لبنان والأردن مخصصة للمنظورين النسوي والجندري حول القضايا العامة. يهدف المشروع لتسهيل وتحفيز الخطاب والحوار العام حول القضايا الجندرية.
المصدر: سَيَران
Leave A Comment