كتبت مريم سيف الدين في نداء الوطن:
لسنوات طوال، خلت الحكومات اللبنانية من النساء، وظلّ مجلس الوزراء مجلساً للرجال، فغُيّبت المرأة عن السلطة التنفيذية، بينما كان حضورها شكلياً وخجولاً جداً في الحياة النيابية. واستمرّ غياب المرأة عن مجلس الوزراء حتى العام 2004، أي في الحكومة السابعة والستين، حكومة رئيس الوزراء الراحل عمر كرامي. من بعدها تقطّعت مشاركة المرأة الخجولة أصلاً في مجلس الوزراء، فكانت تحضر في حكومة وتغيب في أخرى. بعد انتخابات العام 2018 النيابية عزّزت مشاركة المرأة في الحكومة بعد أن فرضت المنظمات الدولية الحديث عن مشاركة المرأة. لكن توزير المرأة بقي رهناً بقرار “الزعماء” ورغباتهم وحساباتهم. وبلغ عدد النساء اللواتي وُزّرن بتاريخ كل الحكومات اللبنانية 15 امرأة فقط، 6 منهن وُزّرن في الحكومة الأخيرة.
في حين أن المطلوب إزالة العوائق من أمام وصول النساء إلى سدة الحكم وتأمين تكافؤ الفرص بدل تعيينهن في المناصب، يستمر تجاهل الزعماء والمشرعين لهذا المطلب، ويتعاطون بسطحية مع مطلب تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها، مفضّلين تسمية النساء اللواتي يردن تعيينهن في حال أرادوا ادّعاءَ انفتاحٍ وتشجيعٍ للمرأة. وهو توزير دعائي لا يعالج لب المشكلة، بل على العكس يحاول ترسيخ فكرة مغلوطة عن تمثيل النساء، ويلخص مشاركتهن وأداءهن بوزيرات يتمّ تعيينهن لارتباطهن برجال القرار. فلا ترتفع أصواتهن نصرة لحقوق المرأة، بل يتجنبن بقدر الأمكان تناول قضايا النساء أحياناً، حرصاً على رضى الزعيم. وما يقلّل من أهمية دور المرأة الوزيرة هو مشاركتها عبر التعيين، وتعميم هذا الأمر نموذج سيئ لا يعكس التمثيل الحقيقي للنساء، فهو تعيين تنتجه المنظومة الذكورية التي تحرص على الابقاء على اخضاع المرأة لها.
وبشكل عام لم تصنع النساء الموزّرات فرقاً في الحياة السياسية أو إنجازات تذكر في وزاراتهن. ولم يقدمنَ انجازاً يذكر لمصلحة المرأة اللبنانية. إذ لم يكنّ صاحبات القرار بل كن في معظمهن تابعات. وعلى الرغم من قلة عدد الوزيرات، يعجز المواطنون عن استذكارهن جميعاً أو الحديث عن إنجازاتهن. وبين النساء الـ15 وحدها الوزيرة ريا حفار الحسن وُزّرت لمرّتين واستلمت حقيبتين “سياديتين”.
ليلى الصلح ووفاء الضيقة أول وزيرتين
إذاً، انتظر لبنان حتى العام 2004 ليسمح للمرأة بأن تصبح وزيرة. وللمصادفة تشاركت ليلى الصلح حمادة ابنة رياض الصلح، الذي اغتاله القوميون رداً على إعدامه زعيمهم أنطون سعادة، لقب أول وزيرة لبنانية مع وفاء الضيقة حمزة، ابنة رستم الضيقة الذي كان قيادياً في الحزب “السوري القومي الاجتماعي”.
نسي اللبنانيون وفاء الضيقة حمزة، لكنهم سيتذكرون دوماً ليلى الصلح، لا بصفتها كوزيرة للصناعة، إذ لا يذكر اللبنانيون أي إنجاز قامت به في هذه الوزارة. وإنما سيتذكرونها كنائب رئيس “مؤسسة الوليد بن طلال للأعمال الخيرية”، وهي خالته، من خلال تقارير أسبوعية مصورة، تُرسل “مُمَنتجة” للعرض في القنوات التلفزيونية، ما جعل من مشهد قصّ الشّريط المشهد الملازم للوزيرة السابقة التي ارتضت باللقب وأحبّته. وربما ترغب الصلح اليوم بمنصب أول رئيسة حكومة في العالم العربي، وتنتظر أن يتحضر الجو الملائم لتسليم رئاسة الوزراء لامرأة.
وكانت زميلتها الوزيرة الضيقة قد روت قصة توزيرها في مقابلة صحافية، أشارت خلالها إلى أنها لم تهتم يوماً بالسياسة ولم تحلم أبداً بالمنصب. فاختارها “الاستيذ” وزيرة بلا حقيبة، اتصل بزوجها الدكتور معين حمزة، الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلميّة، ليبلغه النبأ قبل إعلان الأسماء، وكأن بري باتصاله هذا يؤكد وصاية الدكتور على زوجته، ليخاطبه قائلاً له: “وفاء بدا تصير رئيستك”، قبل أن يحادثها من بعده.
إستبعاد النساء في الأزمات
لم يدم الحضور الأول للمرأة اللبنانية في الحكومة أكثر من ستة أشهر، حيث استقالت الحكومة بضغط من الشارع بعد اغتيال رئيس مجلس الوزراء السابق رفيق الحريري. شكلت حكومة نجيب ميقاتي بعد التظاهرات الشعبية واندلاع “ثورة الأرز”، وكانت مهمتها الأساسية إجراء الانتخابات النيابية، وخلت من النساء.
بعد انتخابات العام 2005 شكل فؤاد السنيورة حكومته. فجمعت نايلة معوض النيابة مع الوزارة، وعينت وزيرة للشؤون الإجتماعية. وقبل توزيرها برزت أرملة الرئيس المغتال رينيه معوض، كوجه من وجوه الرابع عشر من آذار، وجه نسائي اشتهر بشخصيته المثيرة للجدل. وبعد استقالة وزير الصحة محمد جواد خليفة من الحكومة مع الوزراء الشيعة (ويعقوب الصرّاف) في العام 2006، تولّت معوّض وزارة الصحة بالوكالة.
غابت النساء مجدداً في حكومة السنيورة الثانية التي تشكلت في تموز من العام 2008 بعد اتفاق الدوحة، وبعد التوازنات السياسية الجديدة التي فرضها استخدام “حزب الله” سلاحه في الداخل اللبناني في السابع من أيار. مجدداً خلت الحكومة من النساء.
ريّا الحسن وحدها وُزّرت مرتين
في تشرين الثاني من العام 2009 شكل سعد الحريري حكومته الأولى واكتفى بوزيرتين إحداهما بلا حقيبة. فعينت ريّا حفار الحسن وزيرة للمالية ومنى عفيش وزيرة دولة وقد اختارها الرئيس ميشال سليمان من حصته.
نسي اللبنانيون منى عفيش، أما ريا الحسن والتي لعبت دوراً استشارياً في وزارة المالية قبل ترؤسها، فظلّ اسمها في الأذهان. وكانت ظل فؤاد السنيورة في وزارة المالية بعدما كانت تلميذته ومستشارته. وتميزت الحسن عن بقية الوزيرات بأنها الوحيدة التي أعيد توزيرها للمرة الثانية، فعادت إلى مجلس الوزراء كأول وزيرة داخلية في العالم العربي. واختار سعد الحريري الحسن ليسلمها الوزارة السيادية بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، بعد أن ظلت الداخلية نحو خمس سنوات بيد الوزير الصلب نهاد المشنوق، والذي حاول منافسة رئيسه وتخطيه.
ولسوء حظ أول وزيرة داخلية في العالم العربي، اندلعت انتفاضة تشرين في عهدها، فاسقطت الحكومة، وواجهت قوة مكافحة الشغب المتظاهرين بالرصاص المطاطي ما تسبب بإصابات مباشرة في العيون، ووثقت الكاميرات الانتهاكات التي ارتكبتها قوى الأمن الداخلي وحرس المجلس النيابي بحق المتظاهرين، وتعذيب الموقوفين وهم مكبّلي الأيدي. ولم يسلم الإعلام من القمع والعنف، فجرى الاعتداء مباشرة على أطقم الإعلاميين واعتقال بعضهم، ولم تتمكن الحسن من قطع وعد لهؤلاء بمحاسبة المعتدين عليهم من العناصر الأمنية التابعة لسلطتها. بل حاولت الوزيرة التنصل من المسؤولية عن هذه الممارسات مؤكدةً انها لم تعطِ الاوامر، مكررة رفضها لما جرى. وكأن الحسن بشهادتها عما جرى تقول إن لا كلمة للمرأة على الرجال خصوصاً رجال الأمن والعسكر، وبأنه يسهل تخطّيها. لكن وكما قالت الوزيرة في جملتها التي اشتهرت: “sometimes bad things happen”.
إم كلبشا
غيبة وعودة متكررة للنساء في الحكومة، هكذا استمرت الحال. إذ غيّب ميقاتي مجدداً النساء عن حكومته التي تشكلت في حزيران 2011. ومع تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام في العام 2014، وزرت القاضية أليس الشبطيني وكانت المرأة الوحيدة في المجلس مقابل 22 رجلاً. عينت وزيرة للمهجرين ومن ثم أوكلت إليها مهام وزير العدل بعد استقالة الوزير أشرف ريفي.
لم تكن المرة الأولى التي تدخل الشبطيني فيها إلى مكان احتكره الرجال وظنوا أنهم أسياده. إذ عانت الوزيرة في شبابها من التمييز كونها امرأة، ما كاد يحرمها حقها في أن تصبح قاضية، لولا إصرارها على تحصيل حقها. فرغم فوز الشبطيني في مباراة الدخول الى معهد القضاء في العام 1970، استبعدت وصدر مرسوم تعيين الدفعة بلا اسمها. فاستغلت الوزيرة صداقة عمها برئيس الجمهورية حينذاك سليمان فرنجية، لتخبره عن الغبن الذي لحق بها. ومن ثم عادت وتمكنت من دخول السلك القضائي. وصارت أول امرأة ترأس محكمة التمييز العسكرية، “أول وصولي قيل جايينا امرأة تحكمنا، جايينا إم كلبشا”.
كانت الشبطيني وزيرة ذات موقف، تقول رأيها وتخوض النقاشات السياسية. وقبل “الهيلا هو” دخلت الشبطيني بخلاف مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يوم كان مرشحاً راسباً في الانتخابات النيابية، وهو ما عايرته به. وكان سقف مواقف الشبطيني عالياً، حتى أنها هددت بالاستقالة من الحكومة وتحويلها إلى حكومة تصريف أعمال. تحدثت الوزيرة عن اخفاقات لباسيل وعدم تقبّله الخسارة والرفض، واعتبرت أنه ينقصه الكثير من النضوج. هي مواقف ربما لكانت أكسبتها شعبية وشهرة أكبر لو قيلت اليوم في ظل ازدياد الجو الكاره لباسيل. وحرصت الوزيرة الوحيدة في ظل الفراغ الرئاسي على موقع رئاسة الجمهورية وصلاحياته رافضة ترسيخ الأعراف التي تتجاوز الموقع.
وزير لشؤون المرأة
في حكومة الحريري الثانية التي شكلت في كانون الأول 2016، وحده برّي قرر توزير امرأة فاختار ابنة “أمل” عناية عز الدين وزيرة دولة لشؤون التنمية الادارية. في حين سلمت وزارة الدولة لشؤون المرأة للوزير جان أوغاسبيان، فاستبعدت المرأة عن شؤونها.
دعاية كبيرة رافقت توزير عز الدين، قبل أن تترشح من بعدها وتصل للندوة البرلمانية، وتعين المرأة الشيعية الملتزمة رئيسة للجنة المرأة والطفل النيابية. موقع ألزمها بالمطالبة بحماية المرأة واحترام حقوقها. وطالبت عز الدين بتجديد قوانين الأحوال الشخصية وتطويرها، بما يؤمّن أكبر قدر من العدالة في معالجة قضايا المرأة. وهي خطوة إيجابية من نائبة تمثل بيئة تعاني نساؤها من جور المحاكم الشرعية. لكن زملاء السيدة النائبة لم يواكبوها في مطلبها فظلت قضية حماية المرأة قضية هامشية بالنسبة اليهم.
وللأسف ظلت النائبة محكومة بانتمائها وبالسلطة الدينية المفروضة. فبعد تصريح لها في إحدى الصحف نسب إليها القول بأن “مسار الإصلاح يحتّم سياسات حكومية وقوانين مدنية”، اضطرت رئيسة لجنة المرأة النيابية لإصدار توضيح تؤكد فيه أن “تطوير وتحديث قوانين الأحوال الشخصية يتم تحت سقف الشرائع الدينية، إيماناً منها بكونها الأفضل والأنسب لصون الحياة الأسرية”.
توزير النساء بين العصامية والزوجة
بعد الانتخابات النيابية التي جرت في حزيران 2018 والتي شهدت أعلى نسبة مرشحات ومبادرات لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، علت المطالبات بتوزير النساء، على الرغم من أن المرأة لم تتمكن من الوصول إلى أكثر من 5% من المقاعد النيابية. فشكل الحريري حكومته التي ضمت لأول مرة 4 نساء هن: مي شدياق، ريا الحسن، فيوليت الصفدي وندى البستاني وظلّ باسيل في الطاقة.
بقيت مي شدياق أشهر من أن تعرّف، وهي الإعلامية الجريئة التي اعتاد اللبنانيون إطلالاتها وحفظوها وحفظوا طباعها. وتميزت شدياق كونها عمّدت مسيرتها السياسية بالدم بعد نجاتها من محاولة اغتيال تعرضت لها انتقاماً من آرائها. فرشحها سمير جعجع وزيرة لتمثل حزب “القوات” في الحكومة. لم يشكل فقدان أجزاء من جسدها عائقاً أمام الوزيرة الناجية، والتي وصلت الى وزارة لا تعرف شيئاً عنها. فسعت شدياق لمعرفة كل تفاصيل الوزارة ودراسة ملفاتها حتى تمكنت منها. واتهمت الوزيرة بالطائفية وسيقت حملات اعلامية ضدها لمجرد أنها حاولت تخليص الوزارة من التوظيفات السياسية. لكن شدياق لم تتمكن من متابعة مهامها في الوزارة التي عملت بجدية فيها. فحتى اليوم وان اتصلت بالوزيرة السابقة ستشعر بانتمائها لهذه الوزارة وحرصها عليها وعلى دورها.
أما فيوليت الصفدي فعلى العكس من شدياق، فهي بنظر اللبنانيين المذيعة غير المعروفة التي تزوجت السياسي الملياردير الذي يكبرها بـ37 عاماً. بالنسبة لهؤلاء لا يمكن النظر إلى توزيرها إلا باعتباره هدية من السياسي العجوز لزوجته الشابة. استلمت الصفدي وزارة الدولة لشؤون التمكين الاقتصادي للنساء والشباب. ولربما يمكن استقاء أكبر درس عن التمكين الاقتصادي من قصة زواج المذيعة بالنائب الملياردير، لا من أدائها في الوزارة.
ومع أن الصفدي لم تحبذ طرح المسائل النسوية، ولا سؤالها عنها، وتهربها من أسئلة صحافيين في هذا المجال، غير أنها كانت تخرج لتحاضر في هذه الأمور متى اقتضت الحاجة الإعلامية ووظيفتها كوزيرة، حرصاً على اظهار انفتاحها “ونسويتها” في بعض المؤتمرات.
أما ندى البستاني فكانت الوكيل الذي حلّ محل الأصيل في وزارة الطاقة، أي محل الوزير الأسبق جبران باسيل، الذي حرص أن يبقي الوزارة تحت سلطته وأن يسلمها لمستشارته التي يثق بها والتي أحسنت القيام بواجبها كما طلبه منها رئيسها.
6 وزيرات… عبد الصمد نجمتهن
بعد انتفاضة تشرين التي شكلت النساء ركناً أساسياً مقرراً وفاعلاً فيها ومع ارتفاع الصوت النسوي ازداد تمثيل النساء في الحكومة. فوزّرت في حكومة حسان دياب 6 نساء، للمرة الأولى في تاريخ لبنان.
حرصت الحكومة التي أتت لسحق الانتفاضة على اختيار وجه انثوي لطيف يخفي القمع الذي تمارسه. فكانت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد أقرب إلى فاشينيستا تحب الاستعراض وإلهاء الجماهير. وازداد في عهد الوزيرة اللطيفة قمع الاعلام، بل وحاول المجلس الوطني للإعلام فرض رقابته على المواقع الالكترونية بحجة تنظيمها. استعراضات الوزيرة المستمرة ومواقفها غير المسلمة بحرية الإعلام والتعبير جعلاها عرضة للكثير من الانتقادات.
حملت عبد الصمد مترها ووقفت تقيس المسافة بين الصحافيين في غرفة الصحافة في القصر الجمهوري، استعراض جديد استدعى نشره كخبر على موقع وزارة الإعلام، لتأكيد حرص الوزيرة على سلامة الصحافيين. فباتت الصورة التي رافقت الخبر محط انتقاد ونكات على مواقع التواصل الاجتماعي.
أخطاء عدة ارتكبتها عبد الصمد، منها تصريحها الذي عبرت فيه عن تأييدها لعقوبة سجن الصحافيين من على منبر نقابة محرّري الصحافة اللبنانية. حيث بحثت الوزيرة في الاقتراحات المتعلقة بالعقوبات وقالت: “البحث في عقوبة السجن التي يجب ألا تكون في إطار موسّع، آخذين في الاعتبار بعض الضوابط التي تحمي الدولة وهيبتها وأركانها الأساسيين”. وعلى الرغم من وضوح تصريح الوزيرة غير أنها اتهمت الصحافيين الذين استنكروه بالتحريف.
سقطة أخرى ارتكبتها الوزيرة عندما خرجت عبر برنامج تلفزيوني لتعلن اكتشافها معاناة المواطنين بعد أشهر من احتدام الأزمة الاقتصادية. لتبدو وزيرة الاعلام وكأنها قادمة من مجرة أخرى، فلا تدري بحال المواطنين ولا تقرأ وتشاهد التقارير التي تنقل معاناتهم. والمفارقة أن الوزيرة التي نزلت دمعتها أمام الكاميرا حزناً على الحال التي وصل إليها المواطن، سارعت لتحويل المعاناة إلى نكتة بعد دقائق بالقرب من براد الأجبان في السوبرماركت حيث بات المواطنون، وتحديداً الأمهات، يتجنبون الوقوف. وفي استعراضها الأخير أعلنت الوزيرة استقالتها بعد انفجار مرفأ بيروت وإدراكها انتهاء عمر الحكومة التي لطالما دافعت عن أدائها.
عكر أقوى الوزيرات
وعلى الرغم من بروزها الإعلامي، لم تكن عبد الصمد الوزيرة الملكة واقتصرت مهامها على تلاوة مقررات مجلس الوزراء، إلى مشاركتها في اجتماعات لجان ـ دياب بصفتها “المالية” لا “الإعلامية”. أما وزيرة الدفاع زينة عكر فقد بدت أقوى الوزيرات وأكثرهن سلطةً ونفوذاً داخل الحكومة. تم اختيارها وزيرةً للدفاع من ضمن حصة الرئيس بعدما رُشّح غير اسم للمنصب ومنهم بترا خوري، وقد جُهّز لعكر ولمستشاريها مكاتب في السراي الحكومي، كنائبة لرئيس مجلس الوزراء وكي تكون قريبة من مطبخ القرارات. بين شركات عكر الاستشارية والمعلوماتية ومنصبها كوزيرة حصل تضارب مصالح كبير. واتهم العديد من العاملين على مشاريع مشتركة مع الوزيرة الأخيرة باتخاذ القرارات التي تصب في مصلحتها الشخصية لا في المصلحة العامة.
كانت بقية الوزيرات أقلّ بروزاً، حتى أن وزيرة الشباب والرياضة فارتيه أوهانيان تكاد تكون غير موجودة، لم يحدث توزيرها أي علامة فارقة ولا يمكن تذكر أي تصريح لها، إذ جاءت جائحة كورونا كي تقضي على كل نشاط رياضي واتحادي. ونالت وزيرة العمل لميا يمين مباركة بعض الناشطين على ما اعتبر الغاء نظام الكفالة الذي يبيح العبودية، من دون أن يلتفت هؤلاء إلى الشيطان الذي يكمن في تفاصيل القرار الجديد، والذي بدأ العمل على انجازه قبل عهد الوزيرة. وعلى الرغم من وعد غادة شريم بأن تسعى لأن تكون آخر وزيرة مهجرين وإنهاء عمل هذه الوزارة لكن شيئاً من التقدم لم يحصل. ولعل تصريحها الوحيد الذي يذكره المواطنون هو الذي تحدثت فيه عن علاقة الصداقة بين زوجها ورئيس الجمهورية، ما يجعلها محسوبة على الرئيس، أما شقيقها فشعر بفائض قوة وهدد محطة الـ”ام تي في” بالحرق وتأديب مارسيل غانم. وعلى الرغم من تنقلها بين الخيم زمن الانتفاضة لالقاء محاضرات عن استقلالية القضاء لم تنجح وزيرة العدل في تطبيق شيء مما حاضرت به. فالوزيرة التي تحب أن تحسب نفسها على الانتفاضة سارت في السلطة مسار بقية وزراء العدل، وختمت مسيرتها بصورة طردها من منطقة الجميزة ورشها بالمياه. وربما ازداد غضب سكان المنطقة اليوم بعد مرور نحو شهرين على تفجير منازلهم من دون صدور أي نتائج للتحقيق العدلي المفتوح.
تكافؤ الفرص
في حديث إلى “نداء الوطن” ترفض جويل بو فرحات، رئيسة منظمة “خمسون خمسون”، القول بإن مشاركة النساء في الحكومات لم تكن فعالة. وتسعى المنظمة لتعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية حد الوصول إلى المناصفة، “خمسون.. خمسون”. وفق بو فرحات لا يمكن لوم النساء في الحكومة والقول إنهن لم يعملن، “وكأن الرجال عملوا!”. وترى بأن السلطة اضطرت لتوزير النساء كي تتمكن من العمل مع القنوات الدولية التي تلتفت لغياب النساء.
وترى رئيسة المنظمة بأن المطلوب اليوم تحقيق تكافؤ الفرص لتتمكن المرأة من منافسة الرجل والمرأة على حد سواء، “فالمرأة جاهزة للمنافسة لكنها لا تمنح الفرص”. ولدى سؤالها عن عجز الوزيرات عن خوض معارك النساء من قلب السلطة، ترجع بو فرحات السبب في ذلك إلى أن الأحزاب هي التي تفرض عناوينها. وبناء عليه فإن “المنظومة كلها بحاجة إلى التغيير، وعلى النساء أن يحملن أجندة القوانين والتي يجب أن تترافق مع اطلاع نسوي”. وتشير بو فرحات إلى أن تكافؤ الفرص يكون عبر إقرار الكوتا النسائية، معتبرة أن قانون الانتخاب الحالي لا يعطي فرصاً لأشخاص جدد خصوصاً إن كانوا نساء. وتلفت الناشطة إلى أن الوزيرة ريا الحسن كانت تعمل على إقرار قانون يؤمن المناصفة في المجالس البلدية بين النساء والرجال، لكنها لم تتمكن من انجازه بعد اسقاط الحكومة.
Leave A Comment