يعد الاقتصاد قضيةً لا يمكن إنكارها بوصفه أحد مقومات بناء المجتمع، وللمال أثر كبير في بناء النفس البشرية، إنه وسيلة لدعم الإنسان وجانب من جوانب تطوير حياته، ولا فرق في كون هذا الفرد امرأة أو رجلاً، فالأسرة مؤسسة اجتماعية تربوية، والاقتصاد هو أحد دعاماتها وهي الأساس الأول لبناء الإنسان، بل كل جوانب شخصيته الاجتماعية الأخلاقية الاقتصادية السياسية.. إنها مؤسسة ذات قطبين، فلكل منهما دور فيها لا غنىً له عن الثاني.
والسؤال الذي يطرح حالياً: هل منح المرأة حق الاستقلال الاقتصادي نعمة أم نقمة؟
في وقتنا الحالي تعرضت المرأة لعدد من المشاكل المجتمعية، منها فقدانها للمعيل أو المنفق، بسبب الحرب أو الاعتقال أو الهجرة والتهجير وغيرها الكثير من ذلك، مما يجعلها تقف وحدها أحياناً كثيرة لمواجهة التحديات الاقتصادية كي تستطيع مواصلة حياتها، لأنها فرد من أفراد هذا المجتمع، إلا أن هذه الاستقلالية المادية تعد أحياناً سلاحاً ذا حدين، قد تؤثر على الفتاة عند اختيارها لشريك حياتها، فالحصول على زوج يلائم مستواها المادي لا يكون بهذه السهولة، ومن يتوافق مع مستواها الفكري ليس بالأمر السهل أيضاً، أما من ناحية أخرى فقد تحصل المرأة المتزوجة على استقلالية مادية تكون نعمة تشعرها بالقوة، ولا تضطرها إلى الاستمرار في زيجة فاشلة. وبالرغم من هذه الاستقلالية فهي لم تمنح حريتها (المرأة المتزوجة) بالقدر الكافي ولم تتغير نظرة المجتمع وأحكامه تجاهها، فما زال الرجل يتحكم ويفرض آراءه وتصوراته عليها، إنه المسيطر على الرأسمال، فهنالك حالات مختلفة ومتعددة في مجتمعاتنا، أي قد نجد امرأة موظفة وتقبض راتباً تضطر لتسليمه إلى زوجها، فهو الذي يتحكم بالإنفاق ويصرف حسبما يراه مناسباً، لأنه صاحب الإدارة الفعلية في المنزل.. هنا يظهر العامل الاجتماعي والثقافي الذي له الدور الأكبر في موضوع التحكم بمجريات الحياة الزوجية، وليس هنالك أي تأثير للعامل الاقتصادي، فتمكّنها من العمل خارج المنزل، لم يكن بالضرورة صاحب الفضل في تحررها وحصولها على حقوقها المشروعة.. وتعود هذه المسألة إلى العقلية الشرقية التي تتحكم بمجتمعنا، والتي تسمح للرجل أن يكون الآمر الناهي، وبالتالي تصبح المرأة مجرد عاملة مجانية. وعلى العكس أحياناً أخرى، فهنالك إخفاق في الحياة الزوجية لكثير من النساء الثريات أو صاحبات الأعمال التي تدرّ مالاً وفيراً.
إن لعمل المرأة خارج البيت إلى جانب الآثار الإيجابية آثاراً سلبية عديدة قد تفوق في خطورتها وأهمية الاهتمام بها الآثار الإيجابية، فالآثار السلبية عائدة على مكونات الأسرة الثلاثة: الأب (الزوج) والأم (المرأة) والأولاد، فهنا عليها التحلي بذكاء الأنثى حتى ولو كانت أعلى منصباً ونفوذاً من الرجل. وعلى الرجل أن يكون السند لها في هذه المحاور الثلاثة دون تحميلها مسؤولية كاملة في دورها خارج المنزل أو داخله أو دورها كأنثى في علاقتها معه.
إن قضية التحرر الاقتصادي مهم جداً بالنسبة لتطور المرأة واتجاهها نحو حريتها، لأن مقدرتها الشخصية ودخلها الخاص، يمنحانها احترام الذات والثقة بالنفس نحو المبادرة والإقدام في كل اتجاهات حياتها، وإن كانت حرية المرأة محدودة في بعض المجتمعات ومختلفة مابين ثقافة وأخرى، فهذا الجانب من حرية الإنسان يشكل نافذة مهمة جداً، لتطور مفهوم المجتمع متكاملاً.
Leave A Comment