إن موضوع النسب من أكثر الأمور أهمية في حياة الفرد والأسرة والمجتمع عامة، لذلك حظي بعناية بالغة الأهمية من المشرع السوري الذي عدّه من النظام العام، ووفقاً للمادة 535 من قانون أصول المحاكمات المدنية فإن قضايا النسب من اختصاص المحاكم الشرعية، ولها وحدها سلطة البحث في دعوى النسب للسوريين كافة إن كانوا مسلمين أو غير مسلمين منهم.
ويعرف النسب بأنه إلحاق الولد لأبيه وما يترتب على ذلك من الالتزامات بينهما من عطف الأب على ولده (أو ابنه) وتربيته وتعليمه حتى يبلغ أشده، ومن احترام الولد للأب ورعايته في شيخوخته، والتوريث فيما بينهما، وكذلك حق الولد في حل جنسية أبيه. ولما كان نسب الولد إلى أمه ثابت في كل حالات الولادة شرعية أو غير شرعية فإن نسب الولد إلى أبيه لم يجعل له المشرع سبباً إلا في حالات معينة أوردها في قانون الأحوال الشخصية السوري، وقد ورد اجتهاد قضائي على أنه (يثبت النسب بالإقرار بالبنوة أو بالزواج أو بالوطء بشبهة، ولابد للمدعي من إيضاح دعواه على ضوء ذلك كله) مجلة المحامون لعام 1981 ص 578 قا/308.
أما حالات ثبوت النسب فهي التالية:
ثبوت النسب بالزواج: وذلك وفقاً للمادة 129 من قانون الأحوال الشخصية السوري، فإن ولد كل زوجة في النكاح الصحيح ينسب إلى زوجها بالشرطين التاليين:
أن يمضي على عقد الزواج أقل مدة الحمل أي الحد الأدنى للحمل ستة أشهر، وأقصاها سنة شمسية,أن لايثبت عدم التلاقي بين الزوجين بصورة محسوسة كما لو كان أحد الزوجين سجيناً أو غائباً في بلد بعيد أكثر من مدة الحمل، بحيث لا يتصور العقل زيارة زوج زوجته ومباشرتها، فلا يثبت النسب.
يثبت نسب الولد إلى أبيه إذا مات الأب والطفل جنين في بطن أمه، وكذلك إذا طلق الزوج زوجته فولدت له أثناء العدة أو بعد انتهائها خلال فترة الحمل , أي أن الزوجة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها إذا جاءت بولد خلال أقصى مدة الحمل بدءاً من يوم الطلاق أو الوفاة فان نسب الولد يثبت من الزواج.
وإذا انتفى أحد هذين الشرطين لا يثبت النسب إلا بالادعاء أو الإقراربه.
* ثبوت النسب بالإقرار: وذلك في المواد 134 إلى 136 من قانون الأحوال الشخصية السوري التي قالت (الإقرار بالبنوة ولد في مرض الموت المجهول النسب يثبت به النسب من المقر، إذا كان فرق السن بينهما يتحمل هذه البنوة وإقرار مجهول النسب بالأبوة أو الأمومة يثبت به النسب، إذا صادقه المقر له وكان فرق السن بينهما يتحمل ذلك والإقرار بالنسب في غير النسب بالبنوة والأمومة لا يسري على غير المقر بتصديقه).
* ثبوت النسب بالبينة :إذا لم يثبت النسب بالعقد الصحيح بين الزوجين أو بالإقرار ، هنالك إثبات بالبينة، كالشهادة من قبل الطبيب المختص أو شهادة بالشهرة والتسامع فوقاً لما تقبل به البينة بالزواج إذا كان مشهوراً، فيترتب على إثبات الزواج جميع آثاره، حتى لو لم يعرف العقد وتاريخه.
وأخيراً هناك طرق حديثة بالبصمة الوراثية التي هي عبارة عن بيان بالخصائص والصفات الوراثية التي تسمح بالتعرف على الفرد وهويته، فهي تشبه بطاقة الهوية الشخصية، تميزه عن غيره من الأفراد ويسمح انتقالها إلى الأجيال القادمة بإثبات النسب بين الأفراد.
لكن هل يحق لأحد الزوجين الاستعانة بالبصمة الوراثية أو تحليل الحمض النووي لإثبات النسب أو نفيه واستخدام هذه القرينة في دعواه، والاستعانة بما وصل إليه العلم من إمكانية معرفة تحليل البصمة الوراثية DNA من خلال الخريطة الجينية لمعرفة نسب الشخص لأبيه وأمه؟
في الحقيقة إن القضاء الشرعي في سورية استقر على رفض قبول فحص الحمض النووي DNA واعتماده وسيلة لإثبات النسب أو نفيه، فالنسب لا يثبت إلا بالطرق الشرعية بيد أن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لا بد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية. ولا بد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية، فيما يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال النسب في الحالات التالية:
1 ـ حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء ببشبهة ونحوه.
2ـ حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال.
3ـ حالات ضياع الأطفال واختلاطهم في الحروب أو الحوادث وتعذر معرفة أهليهم، أو وجود جثث لا يمكن معرفة هويتها أو بقصد التحقق من هويات المفقودين.
ولعل من الصحيح ما يرى فيه البعض بأن القضاء السوري قد يبدو متخلفاً ومناقضاً للعلم والتطور, وعودة إلى الوراء، حبذا لو أخذ المشرّع السوري بحجية البصمة الوراثية ورؤية تعديل في قانون الأحوال الشخصية لما فيه من فوائد إذا أُخذ بهذه القرينة العلمية والقطعية.
Leave A Comment