جنوح الأحداث ظاهرة اجتماعية معقدة، تهدد أمن المجتمع وسلامته، كما تهدد كيانه ومستقبل أجياله، لذلك لابد من مواجهتها والتصدي لها. ومن المعروف أن أغلب الجرائم التي يرتكبها الأحداث هي في الغالب من طبيعة خاصة، ذلك أن هناك بعض الجرائم التي لا يمكن أن ترتكبها الأحداث، نظرا لما تتطلبه من خبرة إجرامية لا تتوافر عند الأحداث وصغار السن، كجرائم أمن الدولة وجرائم التزوير في المستندات وغيرها، وغالبا جرائم الأحداث تتمثل في جرائم السرقة والتسول والانحرافات الجنسية والتشرد.
فمن هو الحدث؟وما هو الجنوح؟
الحدث هو الصغير، منذ ولادته حتى بلوغه السن التي حددها القانون للرشد، وهي في تشريع الأحداث السوري ثماني عشرة سنة
أما الجنوح فهو: سوء تكيّف ساهمت في وجوده عدة عوامل، وهو سلوك شاذ ينطوي على خطر موجّه إلى الفرد والجماعة، ويعكس اضطراباً داخل الحدث نفسه، وحين يعجز عن التسامي في مواجهة صراعاته فإنه يثور ثورة غير متزنة ويتمرد تمرداً مريضاً هداماً. وهو يظهر في عدة صور منها: السرقة والنشل- السكر والمقامرة- الاحتيال- التشرد والتسول-المشاجرة – الفحشاء والاغتصاب-القتل وغيرها..
لذا فإن أغلب التشريعات في العالم اتجهت إلى:
1- إفراد قواعد خاصة تحكم مسؤولية الأحداث الجانحين.
2- التوجه نحو إصلاحهم، فلا يمكن استعمال القسوة والتعذيب في معالجة انحراف الحدث حتى إن القوانين الحديثة في العديد من الدول أصبحت تحظر ضرب الطفل حتى من والديه وتُعرّضهما للمسؤولية الجزائية.
3- إن التدابير المقررة لإصلاح الأحداث لا تقابل جسامة الجريمة وليست مقابلاً للفعل المرتكب بل هي علاج وتهذيب.
4- بالنسبة للملاحقة والتحقيق والمحاكمة والتنفيذ فينبغي أن تكون متلائمة وهدف إصلاح الحدث وتهذيبه بصورة مختلفة عما هو مقرر للبالغين.
5- إفراد محاكم خاصة تنظر في شؤون الأحداث ورعايتهم، وهذه المحاكم عبارة عن هيئة مؤلفة من الباحث النفسي والاجتماعي إلى جانب رجل القانون أي مشكَّلة من قضاة متخصصين في شؤون الأحداث قادرين على بحث حالة الحدث وكشف انحرافه وتحديد العلاج الملائم له وتوفير الرعاية الصالحة له.
مسؤولية الحدث الجزائية عن فعله المرتكب:
تكون المسؤولية معدومة قبل سن التمييز الذي حدده القانون السوري بإتمام العشر سنوات، ثم تندرج لتصبح مسؤولية ناقصة، حتى إذا بلغ سن الرشد أضحى مسؤولاً مسؤولية كاملة عن الجرم المرتكب، إذ يكون عند ذلك مكتمل الأهلية. وقد نصّت المادة 2 من قانون الأحداث الجانحين على ( – لا يلاحق جزائياً الحدث الذي لم يتم العاشرة من عمره حين ارتكاب الفعل).
مسؤولية الحدث المدنية عن فعله المرتكب:
لقد ذهب القانون السوري إلى عدم جواز رفع الدعوى العامة ضد الحدث غير المميز، لكن ذلك لا ينفي حق المتضرر في التعويض وذلك بالرجوع على المسؤول عن الحدث، وأساس مسؤوليته يتمثل في إهمال الرقابة وإساءة التربية، فلا بد من إثبات ذلك الإهمال إضافة إلى إثبات رابطة السببية بين الإهمال والفعل الضار.
أما الحدث المميّز فيمكن رفع الدعوى العامة ضده وتفرض بحقه تدابير الإصلاح، وللمتضرر حق الرجوع بالتعويض إما على الحدث أو المسؤول عنه أو على كليهما بالتضامن.
التدابير الإصلاحية المقررة للحدث:
1- تدابير التسليم: إما للوالدين أو الولي الشرعي أو لأحد أفراد الأسرة أو لغير ذويه (مؤسسة أو جمعية مرخصة).
2- وضعه في معهد للإصلاح.
3- وضعه في مركز الملاحظة.
4- الحجز في مأوى احترازي.
5- منع الإقامة ومنع ارتياد الأماكن المفسدة والمنع من مزاولة بعض الأعمال.
6- الحرية المراقبة.
إضافة إلى هذه التدابير، هناك عقوبات مخففة في قانون الأحداث الجانحين السوري فقط في حال ارتكاب الجنايات للذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة، فقد أجازت المادة 29من القانون المذكور الجمع بين العقوبة وأحد التدابير الإصلاحية، أما العقوبة فلا تنفذ بزجّ الحدث في السجن، وإنما إفراد جناح خاص بهم في معاهد الإصلاح.
وقد لوحظ أن انحراف الأحداث يعود في الغالب إلى عدة عوامل، منها مايتعلق بشخصية الحدث ذاته، ومنها ما يتعلق بالوسط الخارجي المحيط به، وبعض عوامل الجنوح الأخرى التي تعمل مجتمعة على خلق السلوك المنحرف لديه. يضاف إلى ذلك غياب دور بعض المؤسسات الموكل إليها جانب من العمل الإصلاحي الفعال، وذلك بسبب عدم وجود تلك المؤسسات على أرض الواقع بالرغم من وجودها حبرا على ورق مشمولة بنص قانوني في بعض القوانين العربية. ولأن الحدث الجانح مصنوع لا مولود، وهو ضحية أكثر منه مجرما ،فيجب أن يكون دور المؤسسات مساعداً لمحاكم الأحداث في العملية الإصلاحية الموجهة نحو هؤلاء الأطفال في هذه السن القانونية.
Leave A Comment