إلى تاريخ اليوم وضمن القانون مرة أخرى لاتزال القوانين السورية منتشلة من القرون الأولى..فالذكورة والشرقية أو بالية وحتى رجعية، هي مصطلحات وعبارات أضحت تصف القانون السوري وبالأخص قانون الأحوال الشخصية الذي صدر في عام 1953وما زال سارياً ومفعلاً، بالرغم من محاولاته الضئيلة ليتسم بمواد قانونية تتماشى مع العصر، فالتمييز ضد المرأة يبدو مترسخاً وثابتاً وذلك دون أي اعتبار للواقع الذي قد يكون مريراً للمرأة ضمن الحياة الزوجية، وكأن هذه الدار الزوجية هي الأمان الوحيد للمرأة وكأنما المنزل الزوجي هو القفص الذهبي الموعود…فحين تخرج المرأة من قفصها الوهمي تصبح قانوناً امرأة ناشز وتصبح امرأة تستحق عقوبات قانونية لأنها نشزت عن زوجها.
بداية لابد من شرح معنى النشوز وعقوبته وتوضيح مفهوم المرأة التي أطلق عليها القانون كلمة ناشز.
أولاً- النشوز لغةَ وقانوناً:
النشوز لغة هو ما كان ناتئاً مرتفعاً عن مكانه، ويقال عرق ناشز ناتئ يضرب ويرتفع عن مكانه لداء أو غيره، والنشيزة من الدوابّ التي لايكاد يستقرّ السرج أو الراكب على ظهرها، ونشزت المرأة بزوجها، أي استعصت عليه وأبغضته، والناشز وفق المادة (57). هي التي تترك دار الزوجية بلا مسوغ شرعيأ وتمنع زوجها من الدخول إلى بيتها قبل طلبها النقل إلى بيت آخر.
وفي المادة 75: (كل امرأة سجنت في جريمة أو غيرها فتسقط النفقة خلال مدة سجنها). إذاً فالنشوز هو سقوط النفقة، والمرأة الناشز هي المرأة التي لا تستحق النفقة، ومما يظهر أنه لايوجد تعريف للرجل الناشز، بمعنى أنّ النشوز منطبقٌ فقط على الأشياء والدوابّ والنساء.
ثانياً – عقوبة المرأة الناشز:
وقد وردت في المادة 74 من قانون الأحوال الشخصية (إذ انشزت المرأة فلا نفقة لها مدة النشوز) أي أن عقوبة الناشز هي حرمانها من النفقة الزوجية، وما أودّ طرحه ليس جواز النفقة للمرأة أو عدم جوازها أو حتى ماهو مقدار هذه النفقة، فهو أصلاً مادّة خاصّة تستحق أن يفرد لها بحثٌ خاصٌّ، بل إمكانية تحقق فعل النشوز و الأسباب المكونة له وهي التالية:
1-خروج الزوجة من منزل الزوج بلا حقّ، وهنا القانون السوري لم يأت بتعريف مباشر لمفهوم الحق ولكن من المعروف شرعاً، أنه على الزوجة أن تطيع زوجها، وتحفظه في نفسها وماله. لأنه هو رب البيت يدير أمره، ويصرف شؤونه، لذلك فللرجل القوامة بقوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بمافضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) النساء ،34وبالتالي فقد أوضح مفهوم الحق شرعاً وهو قدرة الرجل على تحصيل المال وتكليفه بالإنفاق على البيت وعلى الزوجة والأولاد، و من المهم الإشارة إلى أن الطاعة التي تطلب من الزوجة ليست طاعة عمياء، ولا هي مضيعة لشخصيتها أو منقصة من كرامتها، بل على الرجل أن يستشير زوجته في أمور الأسرة.
2-أن يكون المسكن الذي خرجت منه الزوجة صالحاً للمساكنة الزوجية، سواء أكان ملكاً أو مستأجراً أو معاراً، وللأسف فقد ترك المشرّع تقدير صلاحية المسكن الشرعي للسكن لقاضي الموضوع، وهو من صلاحيات المحكمة التي يعود لها تقدير الأمور دون وجود أي ضوابط قانونية إذا كان هذا المنزل صالحاً لاستمرار الحياة الزوجية أم لا، بل إن هذه الأمور هي أمور موضوعية خاصة بالمحكمة الشرعية.
3- لكي يتحقق فعل النشوز لا بد أن تكون الزوجة قد قبضت معجل مهرها كاملاً وإلا لن تستكمل دعوى المتابعة الزوجية شرائطها القانونية.
ومن الجدير ذكره أننا في القانون السوري لا تسمى لدينا هذه الدعوى بدعوى الطاعة، وإنما تسمى (دعوى المتابعة) أي متابعة الزوجة زوجها الى دار الزوجية، الذي أعده لها، عندئذ تأمر المحكمة الزوجة أن تتابع زوجها إلى الدار، وهنا بيت القصيد… فالقاضي يأمر الزوجة بالمتابعة ولايجبرها علي ذلك جبراً بالإكراه والقوة كما في بعض الدول العربية ومنها مصر واليمن، أما في قانون الاحوال الشخصية السوري فلا يوجد فيه مثل هذا الإجبار. وعندما ترفض الزوجة المتابعة تصبح ناشزاً وتسقط النفقة عليها طيلة مدة امتناعها عن متابعة زوجها، فالنشوز ليس حالة مستمرة وإنما هو وصف لحالة قائمة في وقت معين وقابلة للتغيير، أي أن الناشز تستطيع العدول عن نشوزها و أن أي تغيير أو أي شيء يبدر من الزوج يظهر أنه لايريد الزوجة هنا تستحق هذه الزوجة نفقتها كاملةً لعدولها عن نشوزها. وفق ما جاءت به محكمة النقض (الزوجة الناشز تملك العدول عن النشوز وإذا منعها زوجها من تسلم المسكن وجبت لها النفقة من ذلك التاريخ – 74/ 468 تاريخ 22/10/1967 نقض، سورية، الغرفة الشرعية.
عند الختام وواقعاً وعلى الرغم من النظرة التي قد تبدو رحيمة للمرأة عند عدولها عن النشوز، فمازالت قوانين الإطاحة بالنساء قائمة وفكرة المرأة الناشز في القرن الحادي والعشرين، قوانيننا تحفل بها، ومصطلح النشوز متغلغلاً في عمق القوانين السورية وهو يخصّ المرأة وحدها دون الرجل، ومن العجب أنّ مصطلح المرأة الناشز مازال مطبّقاً وتقع عليها عقوبات كأنّها تهمة تتّهم بها في القوانين التي مازالت تتبع بعد قرون من التطوّر الاجتماعيّ والاقتصاديّ وتطوّر نسق الحياة كلّه، وهل يتوجّب على المرأة أن تأخذ إذن زوجها للعمل لو أنها لم تخلّ بواجباتها نحو أسرتها أو تعتبر ناشزاً وتحرم من النفقة؟ ومن هن النساء الناشزات في هذا القرن؟ سؤال لابدّ من توجيهه إلى فقه المشرّعين ولربما تصبح دائرة الناشزات في القرن الحادي والعشرين أكبر من دائرة الناشزات في القرون الأولى.
Leave A Comment